للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٥ - (...) وحدّثنا يَحْيَى بْنْ يَحْيَىَ أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ سمَاكٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ

ــ

الخطبة جالسًا. وقال ابن القصار من أصحابنا: الذى يقوى فى نفسى أن القيام فيها والجلوس سنة.

وقول جابر: " أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائمًا فمن قال (١): إنه كان يخطب جالسًا، فقد كذب، فقد - والله - صليت معه أكثر من ألفى صلاة ": قال الشيخ: ويحمل هذا على المبالغة، إن كان أراد صلوات الجمعة؛ لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل فى نيف وأربعين عامًا، وهذا القدر لم يُصلِّه النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يكون أراد سائر الصلوات. وقد ذكر مسلم بعد هذا أنَّ كعب بن عُجْرة دخل المسجد وعبد الرحمن ابن أم الحكم (٢) يخطب قاعِدًا، فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعِدًا، وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (٣)، وهذا الذم، وإطلاق الخبيث عليه يشير إلى أن القيام عندهم [كان واجبًا] (٤)، وأما ظاهر الآية فلا دليل فيها إلا من جهة إثبات القيام للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويحمل ذلك على [أن] (٥) المرادَ به أنه كان قائمًا يخطب. وأن أفعاله على الوجوب [مع اتفاقهم على كونه مشروعًا] (٦).

قال القاضى: اختلف أئمة الفتوى فى حكم الجلوس بين الخطبتين مع اتفاقهم على كونه مشروعًا، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وجمهور العلماء: هو سنة، ومن لم يجلس أساء ولا شىء عليه، وخطبة واحدة تجزى، وتقام بها الجمعة، وقال الشافعى: هى فرضٌ، من لم يجلسها كأنه لم يخطب ولا جمعة له. وشرط للجمعة خطبتين. قال الطحاوى: لم يقل هذا أحدٌ غيرهُ، وحجته ظاهر الحديث المتقدم. وقد حكى غيره عن مالك مثل قول الشافعى، ورأى مالك والشافعى وأبو ثور الجلوس على المنبر قبل القيام إلى الخطبة، ومنعه أبو حنيفة، وروى عن مالك والحجة للجلوس بينهما فِعْل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكونه ليس بواجب: أنه ليس من الخطبة، وإنما هو للاستراحة. والحجة للجلسة الأولى حديث السائب بن يزيد: " كان الأذان يوم الجمعة إذا جلس الإمام على المنبر على عهد


(١) لفظها فى المطبوعة: نبأك.
(٢) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان بن ربيعة الثقفى ابن أم الحكم، وأم الحكم هى أخت معاوية، ولاه معاوية الكوفة بعد أن عزل الضَّحَّاك بن قيس، وقال ابن كثير: وخرجت الخوارج فى أيام ابن أم الحكم، وكان سئ السيرة فى أهل الكوفة، فأخرجوه من بين أظهرهم طريداً. البداية والنهاية ٨/ ٨٥.
(٣) الجمعة: ١١.
(٤) من المعلم، والذى فى الإكمال: واجبٌ.
(٥) من المعلم.
(٦) سقط من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>