للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد روى فى الذهب وتحديد نصابه أحاديث ليست بالقوية، ولكن المسلمين أجمعوا على صحة معناها (١) والمفهوم من قوله: " ليس فيما دون خمس من كذا صدقة ": أى ليس فى أقل منها وهو ظاهر لفظة " دون " لا أنه نفى عن غير الخمس صدقة، كما زعم بعضهم فى قوله: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " أنها بمعنى غير.

قال الإمام: وكما فهم عن الشريعة معنى تحديد النصاب، فهم أيضاً أن ضرب الحول فى العين والماشية عدل بين أرباب الأموال والمساكين؛ لأنه أمد الغالب حصول النماء فيه، ولا يجحف بالمساكين الصبر إليه، ولهذا المعنى لم يكن فى التمر والحب حول؛ لأن الغرض المقصود منه النماء، والنماء يحصل عند حصوله ولهذه المعانى المفهومة حصل من العلماء الاتفاق على أن الزكاة لا تجب على الإطلاق، بل يتوقف وجوبها على شروط معتبرة بحال المالك والملك والمملوك، فإن كان المالك صبيًا فالزكاة عندنا واجبة فى ماله. وأبو حنيفة لا يوجب فى مال الصبى زكاة وحجتنا قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة} (٢) فعمّ، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن آخذها من أغنيائكم " (٣). وغير ذلك من العمومات، ويناقض أبو حنيفة بإيجابه الأخذ من مال الصبى فى الحرث، ويحتج هو بقوله تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} والصبى غير مأثوم فلا يحتاج إلى تطهير، ويحتج - أيضاً - أن الصبى غير مكلف فلا يتوجه الخطاب عليه. قلنا: الخطاب عندنا يتوجه إلى من يلى الصبى بأن يخرج منه، لا أن الصبى هو المخاطب به. ووجه الخلاف بيننا وبينه من جهة المعنى أن هذا فرع بين أصلين؛ أحدهما: نفقة الوالدين وهى واجبة فى ماله باتفاق. والثانى: الجزية فإنها ساقطة عن الصغير الذمى باتفاق. فيرد ذلك أبو حنيفة إلى الجزية من جهة أنها شبيهة بما يؤخذ من الزكاة، ونرده نحن إلى نفقة الوالدين، والشبه [بينهما] (٤) أنهما جميعاً من باب المواساة. فردّ المواساة إلى المواساة أولى من ردها إلى ما هو علم على الذلة والصغار، وهى تطهير وتزكية للأموال، وينقض عليه رده إلى ذلك الاتفاق منا ومنه على وجوب الزكاة على النساء وسقوط الجزية عنهن، وهذا دليل على أنهما ليسا بأصل واحد.


(١) فى س: معانيها.
(٢) التوبة: ١٠٣.
(٣) الحديث سبق فى كتاب الإيمان.
(٤) ساقطة من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>