للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلمَةِ ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَلُ. قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُؤُوسَهُمْ. فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا. قَالَ: فَأَدْبَرَ، وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَة. فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاء إِلا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. قَالَ: إِنُّ هَؤُلاءِ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، إِنَّ خَلِيلِى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانِى فَأَجَبْتُهُ. فَقَالَ: " أَتَرَى أُحُدًا؟ " فَنَظَرْتُ مَا عَلَىَّ مِنَ الشَّمْسِ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِى فِى حَاجَةٍ لَهُ. فَقُلْتُ: أَرَاهُ. فَقَالَ: " مَا يَسُرُّنِى أَنَّ لِى مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إِلا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ " ثُمَّ هَؤُلاءِ يَجْمَعُونَ

ــ

وقوله: " يتزلزل ": بزايين معجمتين، أى يتحرك، قيل: من نضج ذلك، كأنه ذهب إلى أن ما نضج من لحمه تهّرأ، والصواب: أن الحركة والتزلزل المذكور للرضف، أى أنه يتحرك ويتزيل من نُغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، كما جاء فى الحديث، وحلمة الثدى رأسه بفتح اللام. ونغض الكتف بضم النون.

قال الإمام: هو العظم الرقيق الذى على طرفها [وهو] (١) الناغض فرع الكتف، قيل له: ناغض؛ لتحركه، ومنه قيل للظليم: ناغض؛ لحركته رأسه إذا عدا.

قال القاضى: قال المهلب: فى هذا الحديث وجوب إخراج الزكاة عند محلها والتحذير من تأخيرها، وتأول أن قوله فى الحديث: " أترى أحداً؟ فنظرت ما علىّ من الشمس ": أنه تمثيل لتعجيل الزكاة يريد ما أحبّ أن أحبس ما أوجب الله علىّ بقدر ما بقى من النهار.

قال القاضى: وهذا بعيد فى التأويل؛ لأن معنى ذلك فى الحديث مبين؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال له: " أترى أُحُدًا؟ " قال: فنظرت ما علىّ من الشمس. فى غير مسلم: " ما بقى من النهار وأنا أظن أنه يبعثنى فى حاجة، فقلت: أراه قال: " ما يسرنى أن لى مثله ذهباً "، فقد بين أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أراد أن ينبهه على عظم جبل أحد، ووقع له هو قبل بيان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، أنه أراد أن ينظر الشمس عليه ليعلم ما بقى من النهار لتوجهه فى حاجة، ولم يكن ذلك مذهب النبى - عليه السلام - بل بين له مراده فى معرفة عظم الجبل، وأنه لا يسره أن يكون له مثله ذهبًا ينفقه كله إلا ثلاثة دراهم، وفى حديث آخر: " إلا ديناراً أرصده لدينى "، ومعنى " أرصده ": أى أعدّه وأترقب به أداء دينى. وقد يحتج بهذا الحديث من يقول بتفضيل الفقر على الغنى، وكان مذهب أبى ذر أن الكنز كل مال (٢) فضل عن حاجة الإنسان، وهو ظاهر احتجاجه [بهذا الحديث] (٣)، وعنه


(١) ساقطة من س.
(٢) فى س: ما.
(٣) سقط من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>