للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَجُلانِ تَحَابَا فِى اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِب وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّى أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلمُ يمِينُهُ مَا تُنَفِقُ

ــ

وقوله: " ورجلان تحابا فى الله ": فضل المحبة لله وفى طاعته المحبة [فى] (١) الله والبغض فى الله من الفرائض.

وقوله: " اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ": ظاهره أن حبهما لله صادق فى حين اجتماعهما، وافتراقهما. وقيل: يحتمل أن اجتماعهما على عمل طاعة تحابا وتآلفا عليها وافترقا على ذلك، لينفرد كل واحد منهما بعمل صالح، قاله الباجى، والأول أظهر.

وقوله: " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمالٍ فقال: إنى أخاف الله ": يحتمل قوله ذلك باللفظ أو فى نفسه، وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، والمنصب: الشرف. ومنصب الرجل ونصابه: أصله، وظاهره أن الدعوة ها هنا لما لا يجوز من نفسها مما لا تحل، وقيل: يحتمل أنها دعته إلى النكاح، فخاف ألا يقوم بحقها، أو يكون الخوف من الله شغله عن لذات الدنيا، ومباحاتها، وزهده فيها، والأول أظهر.

وقوله: " وشاب نشأ فى عبادة الله ": أى شبَّ وكبر عليها ولم يكن له صبوة، يقال: نشأ الشىء: ابتدأ، ونشأ الصبى: نبت وشبَّ، قال الله: {أَوَ مَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} (٢) و {الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (٣).

وقوله: " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ": كذا روى عن مسلم هنا [فى جميع النسخ الواصلة إلينا، والمعروف الصحيح: " حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " وكذا] (٤) وقع فى الموطأ (٥) والبخارى (٦)، وهو وجه الكلام؛ لأن النفقة المعهود فيها باليمين ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك. وقال بمثل حديث عبيد الله وتحرى الخلاف فيه فى قوله، وقال: " رجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود "، فلو كان ما رواه خلافاً لرواية مالك لنبّه عليه كما نبه على هذا، وفيه فضل الصدقة [فى اليسر] (٧) وتأوله العلماء فى التطوع، وأن السر أفضل فيه من العلانية، وقاله ابن عباس (٨) فى قوله: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي} الآية (٩)، وقال:


(١) فى هامش الأصل.
(٢) الزخرف: ١٨.
(٣) يس: ٧٩.
(٤) سقط من س.
(٥) الموطأ، عن أبى هريرة ٢/ ٩٥٢.
(٦) ك الحدود، ب فضل من ترك الفواحش، بلفظ: " ما صنعت يمينه " ٨/ ٢٠٣.
(٧) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.
(٨) عن على عن ابن عباس، قوله: {إن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُم} فجعل الله صدقة السر فى التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال بخمسة وعشرين ضعفاً. الطبرى ٥/ ٥٨٣.
(٩) البقرة: ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>