للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَللِصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ ".

ــ

أصل مالك، إنما هو على مذهب الشافعى، وإنما هو تغيير ريح الفم بما يحدث من خلو المعدة بترك الأكل (١).

قال القاضى: احتج الشافعى (٢) بالثناء على الخلوف لمنع السواك بعد نصف النهار، وهو وقت وجود الخلوف؛ لأن السواك يذهبه، وفى بقائه من الأجر والفضل ما لا يجب عنده إزالته، وذهب مالك إلى جوازه فى النهار كله؛ لأنه عنده إن كان من المعدة فلا يذهبه السواك، وأيضاً فإن جعلنا الكلام فى الثناء على الخلوف استعارة وتنبيهًا على فضل الصوم، لا على نفس الخلوف، فذهابه وبقاؤه سواء. وقد اختلف الناس (٣) فى معنى قوله: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".

قال الإمام: هو مجاز واستعارة؛ لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذى له طبائع تميل إلى شىء فتستطيبه، وتنفر عن آخر فتستقذره، والله تعالى يتقدس عن ذلك، لكن جرت العادة فينا بتقريب الروائح الطيبة منا، واستعير ذلك فى الصوم لتقريبه من الله.

قال القاضى: وقيل: يجزيه الله فى الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك كما قال (٤) فى المكلوم فى سبيل الله: " الريح ريح مسك " (٥)، وقيل: بل ينال صاحبُها من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا، لاسيما بالإضافة إلى الخلوف وهما ضدان، وقيل: يعتدّ بها وتدخر على ما هى عليه [أكثر] (٦) مما يعتد بريح المسك لصاحبه، وأيضاً فيكون رائحتها عند ملائكة الله أطيب من المسك، وإن كانت عندنا نحن بخلافه، وقال الداودى: يثاب عليها ما لا يثاب على رائحة المسك إذا تطيب به للصلاة والجمعة.

وقوله: " للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه ": أما فرحته عند لقاء ربه فبينة لما يراه من الثواب وحسن الجزاء، كما قال فى الرواية الاخرى: " إذا لقى الله فجزاه فرح "، وأما عند إفطاره فلتمام عبادته وسلامتها من الفساد وما يرجوه من ثوابها، وقد يكون معناه: لما طبعت النفس عليه من الفرح بإباحة (٧) لذة الأكل وما منع منه الصائم، وحاجته إلى ذهاب ألم الجوع عنه، وهو ظاهر فى بعض الروايات


(١) المنتقى للباجى ٢/ ٧٤.
(٢) انظر: الحاوى ٣/ ٤٦٦، ٤٦٧.
(٣) فى الأصل: التأويل، والمثبت من س.
(٤) فى س: كان.
(٥) البخارى، ك الذبائح والصيد، ب المسك ٧/ ١٢٥.
(٦) ساقطة من س.
(٧) فى س: من إباحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>