للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطيب ما كان قبل إحرامه وبعده، ورد على من زعم أن تطيبه كان بعد إحرامه اعتماداً على احتمال الرواية الأخرى التى ليس فيها بيان، وفيه أن حكم المعتمر والحاج سواء فيما يمنع منه ويباح له، وبيانه: أن السائل كان عالماً بالمنع من مثل هذا فى الحج وجهل حكم العمرة، فلذلك قال له - عليه السلام -: " وافعل فى عمرتك ما كنت فاعلاً فى حجك "، ويدل على هذا ما جاء فى رواية ابن أبى عمر فى الأم من قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حين سأله: " ما كنت صانعاً فى حجك؟ " قال: أنزع عنى هذه الثياب، وأغسل عنى هذا الخلوق، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كنت صانعاً فى حجك فاصنعه فى عمرتك " وهذا يقضى على كل تأويل ذكر فى الحديث مما نذكره، وتحمله ألفاظ الروايات الأخر.

وكذا يدل من سائر الأحاديث أن حكم الحج - أيضاً - كان مستقراً عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك، وإنما وقف فى أمر العمرة حتى أوحى إليه، قيل: ويحتمل أن الإشارة بهذا القول لغير هذا السؤال، إذ [قد] (١) كان - عليه السلام - قد بين له سؤاله، ثم أعلمه أن حكم العبادتين فى مثل هذا سواء، ويدل على هذا قوله: " ثم اصنع فى عمرتك ما تصنع فى حجك "، ويحتمل على رواية الراوى أنه عائد على ما سأل عنه للتأكيد، وقيل: يحتمل أنه عائد إلى حكم الفدية لمن لبس المخيط وتطيب، وليس [بنص] (٢) على لزومها أو سقوطها، فالأظهر أنه لم يجعل عليه فدية فيه، إذ هو موضع بيان، وبهذا قال أصحابنا، قالوا: لأنه إنما أتلف الطيب قبل الإحرام، وقيل: يحتمل أنه إنما سأل حين أراد الإحرام، ولم يحرم بعد، وهذا إنما يمكن على رواية من رواه: " كيف تأمرنى أن أصنع فى عمرتى؟ " أو قول من قال: " كيف ترى فى رجل أحرم بعُمرةٍ وهو متضمخ؟ "، وسائر الروايات تدل أنه قد كان أحرم لقوله: " أحرمت فكيف أفعل؟ " فى الرواية الأخرى، وقوله فى الأخرى: " أحرمت وأنا على ما ترى "، وقال بعضهم: هاهنا شىء زائد على الطيب وهو لبس المخيط، ومذهب مالك فى هذا: إن كان استدامة وانتفع به، فعليه الفدية (٣)، فلعل هذا المحرم سأل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقرب إحرامه، فلذلك لم يأمره بفدية.

وقوله فى هذا الحديث فى رواية شيبان بن فروخ (٤): " فقال: أيُسرك أن تنظر إلى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ينزل عليه؟ ": كذا جاء ولم يُسم القائل، ولا قبله ما يدل عليه، وقد جاء مبيناً فى الحديث الآخر بعده أنه عمر بن الخطاب. وفى هذا الحديث أن السنن تكون بوحى من الله كما جاء فى هذه المسألة، وليست بفرض، وفيها ما يلزم العالم من التثبت عند السؤال ما لم يسبق له علمه.

وقوله: " أما الطيب فاغسله ثلاث مرات ": دليل على المبالغة فى غسله حتى يذهب


(١) من س.
(٢) فى س: فيه نص.
(٣) المنتقى ٢/ ١٩٥، ١٩٦.
(٤) هو شيبان بن أبى شيبة الحبطى، مولاهم أبو محمد الأيلى، روى عن جرير بن حازم وأبى الأشهب العطاردى، وأبان بن يزيد العطار، وحماد بن سلمة وغيرهم، وعنه أبو داود والنسائى وزكريا بن يحيى =

<<  <  ج: ص:  >  >>