للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٣ - (١١٩٤) وحدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارَ وَحْشٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: " لَوْلا أَنَّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ ".

ــ

وانظر هل يصح أن يحمل [على هذا] (١) أن الهبة تدخل فى الملك من قبل أن تقبلها فيكون إنما لم يُرسل الحمار لأنه لم يكن فى يد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأشبه من أحرم وفى نيته صيدٌ. فيقال: لا (٢) يصح هذا؛ لأنه - عليه السلام - لو ملك الحمار لم يردَّه عليه فيكون قد عرَّض به للقتل، ولو أن محرماً فى نيته صيدٌ لم يبتغ أن يهبه فى حال الإحرام لمن يستبيح ذبحه، فيكون كمن عرّض بصيد للقتل.

وقد اختلف مالك والشافعى فيمن أحرم وفى نيته صيد، هل يرسله أم لا؟ وسبب الخلاف بينهما قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (٣)، هل المراد بالصيد ها هنا الاصطياد، فلا يجبُ أن يرسل ما فى البيت من صيد؟ أو المصيد نفسه الذى هو الصيد فيرسله وإن كان يقدم اصطياده له قبل الإحرام؟ وفى بعض طرق حديث الصعب بن جثامة ما يقدح فى تأويل من تأول الحديث على أن الحمار حىّ، وهو قوله فيه: " رجْلُ حمارٍ "، [وفى طريق آخر: " عجز حمار وحشى يقطر دماً، وفى طريق آخر: " شق حمار] (٤)، وفى رواية زيد بن أرقم: أهدى للنبى - عليه السلام - عضو من لحم صيدٍ فردَّه. وقال: " إنّا لا نأكله، إِنَّا حرمٌ " وبهذه الروايات يحتج مَنْ يقول من الناس: إن المحرم لا يأكل لحم صيد وإن لم يصد من أجله، ويذكر ذلك عن على وابن عباس وابن عمر وتلا: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}، وحمل الصيد على المصيد، والحجة على هؤلاء حديث أبى قتادة المذكور بعد هذا وفيه: أنه - عليه السلام - أكل لحم الصيد، وأباحه لغيره من المحرمين ويمكن بناء حديث أبى قتادة مع حديث زيد على مذهب مالك، فيقال: امتنع من الأكل فى حديث زيد لأنه صيد من أجله، ولم يمتنع فى حديث أبى قتادة لأنه لم يصد من أجله، لكن قد يقدح فى هذا البناء أنه - عليه السلام - إنما علل امتناع أكله بأنه حرم، ولم يقل: إنه صيد من أجلى.


(١) فى ع: هذا على.
(٢) فى س: فلا.
(٣) المائدة: ٩٦.
(٤) وقع فى س تقديم وتأخير فى العبارات هكذا: وفى طريق: " شق حمار "، وفى آخر: " عجز حمار وحش يقطر دماً ".

<<  <  ج: ص:  >  >>