بالرفع، ففصل بهذه القولة عطفه على الحج ليزيل الإشكال.
وقوله:" العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ": بيّن المعنى فى تكفير السيئات بفعلها، وقيل: يحتمل أن يكون بمعنى، وفيه حض على تكرارها، واستدل به بعضهم على جواز العمرة فى السنة مراراً.
وقد اختلف السلف فى الاعتمار فى السنة مراراً، فأجاز ذلك كثير، منهم الثورى وأبو حنيفة والشافعى وأكثر الفقهاء، ومنعه آخرون وقالوا: يستحب ألا يعتمر فى السنة إلا مرة، وكذلك فعل النبى - عليه السلام - فلم يكرر فى سفراته عمرة أكثر من مرة، وهو قول مالك، إلا أنه إن اعتمر أكثر من مرة لزمه تمام ذلك عنده، وقال كثير من أصحابه بجواز ذلك، وقال آخرون: لا يعتمر فى شهر أكثر من مرة.
وأما وقتها: فلغير الحاج السنة كلها، ويوم عرفة، ويوم النحر، وكل حين.
وأما للحاج فحين تغيب الشمس من آخر أيام التشريق، ونحوه للشافعى. قال مالك: سواء تعجل أو تأخر، فإن أحرم الحاج بعمرة قبل هذا لم تنعقد عندنا، إلا أن تكون فى آخر أيام التشريق بعد الرمى فتنعقد، وظاهر المدونة أنها لا تنعقد. وقد اختلف قول مالك، وقال أبو حنيفة: العمرة جائزة فى السنة كلها إلا يوم عرفة وأيام التشريق للحاج وغيره.
وقوله:" والحج المبرور "، قال الإمام: وهو على وزن مفعول، من البر. يحتمل أن يريد أن صاحبه أوقعه على وجه البر، وأصله ألا يتعدى [بحرف](١) جر، إلا أن يريد بمبرور وصف المصدر فيتعدى حينئذ إليه؛ إذ كل ما لا يتعدى من الأفعال فإنه يتعدى إلى المصدر. ومعنى " ليس له جزاء إلا الجنة ": أى لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، ولابد أن يبلغ به إدخاله الجنة.
قال القاضى: هذا الكلام كله إنما يتوجه على أن معنى المبرور ما أشار إليه، من أنه قصد به البر، وأما على غيره من التأويلات فلا يحتاج إلى حرف تعدية، فقد قيل: معنى " مبرور ": لا يخالطه شىء من مأثم، وقيل: المبرور: المتقبل، وقيل: الذى لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق، وقيل: الذى لم تعقبه معصية.