وقد اختلف فى مكة ودورها ورباعها هل هى مملوكة لأحد أم لا؟ على اختلاف فى دخولها، هل هى عنوة أو صلح؟ ومذهب مالك وأبى حنيفة والأوزاعى أنها عنوة، ومذهب الشافعى أنها صُلحية، لكن من رآها عنوة، قد قال: إن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَّ على أهلها وسوى بينهم أموالهم ودورهم، ولم يجعلها فيئاً ولا قسمها. قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شىء من البلاد.
وكذلك اختلفوا فى كراء دورها وبيعها لهذا، وفى تأويل قوله:{سوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}(١)، فقال جماعة من السلف: أهل مكة وغيرهم فى المنازل سواء، ولا يحل بيعها ولا كراؤها، وتأولوا الآية على هذا، وهو قول أبى حنيفة والثورى، وكره مالك بيعها وكراءها، وأجاز ذلك الشافعى وأبو يوسف وبعض السلف والصحابة، وتأولوا الآية على المسجد وهو للمصلين، ويكون الحديثان صحيحين.
قالوا: وفيه حجة على أن للإمام إبقاء الأرض بعد افتتاحها عنوة بأيدى أربابها إن أسلموا أو لم يسلموا؛ لما يراه من استيلائهم إن كانوا مسلمين، أو ليضرب الجزية عليهم إن بقوا على دينهم وأقرهم بها، ويكون تركها لهم بتطييب نفوس أهل الجيش، كما فعل فى سبى هوازن، أو بتقويمها من الخمس.
على أنه لم يرو أنه قسم من أموال أهل مكة شيئاً، وإنما كان تفضلاً منه وممن معه من المسلمين عليهم لقرباهم وليجبرهم، كما جاء فى لفظ الحديث الآخر؛ ولأن الله تعالى قد عوضهم بعد من أموال هوازن أضعاف ذلك.
وفيه حجة لمن يقول: إن الغانمين لا يملكون الغنيمة بحوزها إلا بتمليك الإمام وقسمها بينهم؛ ولهذا ما اختلف فى قطع سارقهم منها وحدّ زانيهم ومن فيها، وسيأتى هذا فى