وقوله: " اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن "، قال الإمام: هذه بالتعويض، كما يقال: بعتك ثوبى بدينار، ولم يرد أنه ملكه إياها لحفظه القرآن؛ إكراماً للقرآن؛ لأنها تصير بمعنى الموهوبة، وذلك لا يجوز إلا للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال القاضى: قال غيره: قوله يحتمل وجهين؛ أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارًا مَا منه، ويكون ذلك صداقها، أى تعليمها إياه، وقد ورد هذا التفسير عن مالك، ويحتج به من يرى أن منافع الأعيان تكون صداقاً، وقد ذكره مسلم مفسراً: " اذهب فعلمها [من](١) القرآن "، وفى رواية عطاء: " فعلمها عشرين آية ". وذهب الطحاوى والأبهرى وغيرهما أن هذا خاصٌ للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون غيره من الناس، ونحوه قال الليث ومكحول. قال الطحاوى: ولما كانت الموهوبة للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جائزة له فى النكاح جاز له هو - أيضاً - أن يَهبها فى النكاح. قال: ويصحح ذلك أن النبى - عليه السلام - قد ملكها له ولم يشاورها.
قال القاضى: وهذا يحتاج إلى دليل. وتكون الباء هنا - على هذا - بمعنى اللام، أى لما حفظته من القرآن، وصِرت لها كفئاً فى الدين. وقد يكون مع هذا التقدير - أيضاً - أن ينكحها إياه لما معه من القرآن؛ إذ رضيه لها، ويبقى ذكر المهر مسكوتاً عنه إما لأنه أصدق عنه كما كفَّر عن الواطئ فى رمضان؛ إذ لم يكن عنده، وَوَدَىَ المقتول بخيبر؛ إذ