للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فِى نَفَر. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظهُرِنَا. فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقتطَعَ دُونَنا وَفَزِعْنَا، فَقُمنا. فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتيْتُ حَائِطًا لِلأَنْصَارِ لِبَنِى النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا، فَلمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِى جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجةٍ - وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ - فَاحتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " أَبُو هُرَيْرَةَ؟ ". فَقُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " مَا شَأنُكَ؟ ". قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُمْتَ فَأَبْطَأتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهؤْلاءِ النَّاسُ وَرَائِى. فَقَالَ: " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " - وَأَعْطَانِى نَعْلَيْهِ - قَالَ: " اذْهَبْ

ــ

الفارسى عن الجلودى بالزاى، وهو الصواب، ومعناه: تضاممتُ وتداخلتُ، ليسمع من مدخل الجدول الذى ذكر، ومنه حديث على: " إذا صلت المرأة فلتحتفز " (١)، أى لتضام وتنزوى إذا سجدت، ويدل عليه تشبيهه إياه بفعل الثعلب وهو انضمامه للدخول من المضايق (٢).

وقوله: " كنت بين أظهرنا وفى رواية الفارسى: " ظهْرَينا ": قال الأصمعى: العربُ تقول: نحن بين ظهريكم على لفظ الاثنين (٣) [وظهرانيكم، قال الخليل: أى بينكم والعرب تضع الاثنين] (٤) موضع الجمع.

وقوله: " ففزعنا وقمنا وكنتُ أوَّل من فزع " (٥): الفزع يكون بمعنى الروع، وبمعنى الهبوب للشىء والاهتمام، وبمعنى الإغاثة، فتصح هذه المعانى الثلاثة، أى ذُعِرْنا لاحتباس النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنا، ألا تراه كيف قال: " وخشينا أن يُقتطع دوننا " أى يحوزه العدو عنا، ويكون بمعنى الوجهين الآخرين بدليل قوله: ففزعنا وقمنا، وكنتُ أول من فزع، فخرجت أبتغى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله فيه: " فجهشت بالبكاء " هو فزع الإنسان إلى آخر وهو متغير الوجه متهيئ للبكاء ولما يبك بعد، يقال فيه: جهشتُ وأجهشت جهشاً وإجهاشاً، قال


(١) النهاية ١/ ٤٠٧، وتمامه فيه: " إذا جلست، وإذا سجدت، ولا تُخوّى كما يُخوّى الرجلُ ".
(٢) قال الأبى: والأظهر فى دخوله محل الغير دون استئذان أن دهش لغيبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه، قال: ويبعد أن يكون لعلمه طيب نفس رب الحائط؛ لأنه يبقى حق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الدخول عليه، وإنما جعل الإذن من أجل البصر، ويحتمل أنه دالة. إكمال الإكمال ١/ ١٢٣.
(٣) فى ت: للاثنين.
(٤) سقط من الأصل واستدرك بهامشه.
(٥) ذهب القرطبى إلى منع إرادة الخوف هنا لكون أبى هريرة قال: فخشينا، ثم رتب عليه بفاء السبب فقال: ففزعنا، قال: والأظهر أنه بمعنى الهبوب.
قال الأبى: كونه بمعنى الخوف لا يمنع من عطفه، ويكون من عطفه الشىء على نفسه إرادة الاستمرار نحو قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [القمر: ٩] أى كذبوا تكذيباً بعد تكذيب. إكمال الإكمال ١/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>