للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكون هذا الغير؟ قصره الشافعى على الأقوال النطقية وقصرها أصحابنا على المقصود. وأشار بعض المتأخرين من شيوخنا إلى ترك التعويل على القصد بمجردة دون أن يضامه قول نفسى، وهو إيجاب الارتجاع فى النفس، فيكون الاختلاف على طريقة هذا الشيخ بيننا وبين الشافعى فى تعيين القول، ونحن متفقون على إثبات أصله، لقول الشافعى: القول النطقى، ونحن نقول: القول النفسى إذا صدر عنه ما يدل عليه من الأحوال التى أشرنا إليها، ويختلف معه فى الفعل على حسب ما قدمناه.

والإشهاد على الرجعة اختلف الناس فيه أيضاً، هل يجب أم يستحب؟ ومدار الاختلاف على قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُم} (١)، فالأمر بالشهادة ورد بعد جملتين، فهل تعود إلى قربهما إليه أو إليهما جميعًا؟ على اختلاف أهل الأصول فى هذا الأصل فمن رأى عَوْد مثل هذا على أقرب المذكورات، إن لم يكن فى الآية دلالة على إثبات الإشهاد [على الرجعة] (٢) فضلاً عن تفصيل حكمه، ومن رأى أن مثل هذا يعود إلى سائر الجمل، وقال: بأن الأمر مجردة على الندب، استحب الإشهاد على الرجعة، ومن قال: مجردة على الوجوب، أوجب الإشهاد على الرجعة. وإن عورض أن الإشهاد على الطلاق، وهو أقرب المذكورين على الندب، قال: خروجه بدليل لا يوجب خروج الجملة الأولى عن الأصل.

وقوله فى بعض طرقه: " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ": فيه دلالة على جواز طلاق الحامل على الإطلاق دون التفصيل، وهو أحد القولين عندنا فى طلاقها وهى حائض، وقد منعه بعض أصحابنا، كما منع أيضاً طلاق من لم يدخل بها وهى حائض، وأجازه الآخرون، وهذا راجع إلى الاختلاف فى النهى عن الطلاق فى الحيض، فمن رأى أنه معلّل بتطويل العدَّة، أجازه فى الحامل وفى التى لم يدخل بها؛ إذ الحامل من عدتها الوضع، ولا تطويل فيها، ومن لم يدخل بها لا عدة عليها أصلاً، فتوصف بطولٍ أو قصر، ومن رآه غير معلّل، منع الطلاق فى المسألتين جميعاً.

هكذا أورد شيوخنا فى التدريس، وفيه نظر؛ لأن قضية ابن عمر [قضية] (٣) فى عين، فإذا قلنا: إن النهى غير معلّل، افتقر المنع فى المسألتين إلى دليل على القول بأن القضايا فى الأعيان لا تتعدى، وكون مجرد النهى غير معلل لا يوجب الحكم فى المسألتين بالمنع.

وأما الطريقة الأخرى - وهو إثبات التعليل - فإنما يصح ما قالوه فيها - أيضاً - على


(١) الطلاق: ٢.
(٢) فى هامش ع.
(٣) ساقطة من الأصل، واستدركت فى الهامش بسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>