للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفى هذا الحديث إفشاء السر ذنب تجب التوبة منه، لقوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} (١)، وكذلك التظاهر على الزوج وعلى المؤمن فيما يضر به، ويتأذى منه، ويقطع منفعة عنه. وفيه كرامة نبينا - عليه السلام - وهذه الأمة، بأن الله لم يلزمها ما حرمته على نفسها، كما فعل بمن تقدم من الأنبياء والأمم.

وقوله: فنزل: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} (٢): قد اختلف فى سبب نزولها، فجاء عن عائشة: أنه فى هذه القصة، وعن زيد بن أسلم: أنها نزلت فى تحريمه عليه مارية جاريته، وحلفه ألا يطأها.

ولا حجة لمن أوجب فى التحريم بظاهر الآية كفارة يمين بقوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} (٣) لما روى أنه قال: " والله لا أطؤها "، ثم قال: " هى علىّ حرام "، وروى مثل ذلك من حلفه على شربه العسل المذكور وتحريمه، ذكره ابن المنذر فى رواية البخارى: " لن أعود له وقد حلفت، لا تخبرى بذلك أحداً " (٤).

وقال الطحاوى: قال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى شرب العسل: لن يعود إليه، ولم يذكر يميناً، لكن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُم} يوجب أن يكون قد كان هناك يمين.

قال القاضى: قد ذكرنا ما فى كتاب البخارى من قوله: " قد حلفت، لا تخبرى بذلك أحداً "، فهذه يمين إن نوى بها الحلف بالله، وهو ظاهره. وقد استدل بعض العلماء بقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} على أن ما عدا الزوجات لا يحرم بلفظ التحريم من الإماء وغيرهن على ما تقدم لإباحة ذلك فى الحرة بالطلاق.

وقوله: " كان - عليه السلام - يحب الحلواء والعسل ": حجة فى استعمال مباحات الدنيا، وأكل لذيذ الأطعمة. والحلواء هنا: كل طعام مستحلى.

ودورانه المذكور فى الحديث بعد العصر على نسائه إما لأن حكمه فى القسم بخلاف غيره كما تقدم فإن العدل غير واجب، لكنه كان مع هذا يعدل، فيفعل هذا فى كل واحدة، ليسوى بينهن فى نفسه، وأما على وجوب القسم، فإنما لكل واحدة يومها، ولا يسوع مثل هذا معهن إلا برضى جميعهن؛ لأنها مشاركة فى يومها لهن، وقد يحتج بهذا من يرى العدل إنما يختص بالمبيت لا فى الزيادة، وقد تقدم هذا وقد جاء فى الأم: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذننا إذا كان فى يوم المرأة منا "، وهذا يوضح صحة ما تأولناه قبل، وقال الداودى: كان جعل ما بعد العصر ملغى، كأنه يشير إلى ما تقدم، أن جعله وقتاً مشتركاً لجميعهن.

وذكر فى حديث حجاج عن ابن جريج؛ أن التى شرب عندها العسل زينب، وأن


(١) التحريم: ٤.
(٢) التحريم: ١.
(٣) التحريم: ٢.
(٤) البخارى، ك التفسير، ب سورة التحريم. الفتح (٤٩١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>