للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْكُتُونَ بِالحَصَى، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: " نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ ". فَلَمْ أَزَلْ أُحَدِّثُهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَبُ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَتَّى كَشَرَ فَضَحِكَ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ثَغْرًا، ثُمَّ نَزَلَ نَبِىُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلْتُ. فَنَزَلْتُ أَتَشَّبَثُ بِالْجِذْعِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا يَمَسُّهُ بِيَدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كُنْتَ فِى الْغُرْفَة تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ: " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ "، فَقُمْتُ عَلَى بَاب الْمَسْجِدِ، فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِى: لَمْ يُطَلَّقْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (١) فَكُنْتُ أَنَا اسْتَنْبَطْتُ ذَلِكَ الأَمْرَ، وَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - آيَةَ التَّخْيِيِر.

٣١ - (...) حدّثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلالٍ - أَخْبَرَنِى يَحْيَى. أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ. قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ، فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاك لِحَاجَةٍ لَهُ. فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: وَاللهِ، إِنْ كُنْتُ لا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةً فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ. قَالَ: فَلا تَفْعَلْ. مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِى مِنْ عِلْمٍ فَسَلْنِى عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتُ أَعْلَمُهُ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ، إِنْ كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ

ــ

وقوله: " فلم أزل أحدثه حتى كشر ": قال ابن السكيت: كشر وابتسم وبَسم وافْترّ وأنكل كله بمعنى واحد، فإن زاد قيل: قهقه، وزهْدق وكركر، فإن أفرط قيل: استغرب ضحكاً، وقال صاحب الأفعال: كشَّر: أبدى أسنانه تبسماً أو غضباً.

قال القاضى: فيه بسط نفس الغضبان، وتسلية لمغتم بما يباح من الحديث، لا بالسخف من الكلام والأفعال، ومثله قوله فى الرواية الأخرى: " لأقولن شيئاً أضحك به النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (٢).


(١) النساء: ٨٣.
(٢) حديث رقم (٢٩) بالباب السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>