ثور وحكى عنه أنه لا يلاعن حتى تلد، وهو المعروف عن عبد الملك، وروى عن مالك وعبد العزيز وأشهب.
وعن مالك وأصحابه فى ذلك ثلاثة أقوال أيضاً: يلاعن إذا ادْعى رؤية واستبراء معاً، ويلاعن بالجملة دون استفسار، ويلاعن بدعوى الاستبراء ولا يلاعن إن لم يدعه إلا أن تلد لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية، ونحوه عن أبى يوسف وابن الحسن إلا أن يكون مقراً بالحمل، أو رآ فلم ينكره، فلا ينتفى بلعان عندنا فى المشهور، وهو قول العلماء. وذهب الكوفيون إلى أنه يلاعن. وعندنا رواية أخرى: أنه إن ادعى رؤية فله نفيه، ورواية ثالثة: أنه متى أقر بالحمل لم يلاعن للرؤية؛ إذ مقتضى اللعان نفى الحمل، حكاها ابن المواز والبغداديون، ثم اختلف على القول بنفيه فى هذه المسألة إذا كان قد لاعن للرؤية، هل يكفيه لعان الرؤية أم لا ينفيه إلا بلعان ثان؟ وذهب طائفة إلى أن المولود على فراش الرجل لا ينفى بلعان بتة.
وكذلك اختلفوا فى لعان المملوك وزوج الكتابية، فعند مالك: اللعان بين كل زوجين عبدين أو حرين، أو أحدهما حر والزوجة كتابية، لكن إنما يكون فى حق زوج الكافرة والأمة فى نفى الحمل لا فى مجرد القذف؛ إذ لأحد على قاذفها ولا يلزم الكافرة لعان أو لأحد عليها إلا أن يشاء لنفى المعرة. وقال الحسن: لا لعان بين المماليك. قال أبو حنيفة: وكذلك إن كان أحدهما مملوكاً أو الزوجة ذمية. وقال البتى: كل قاذف لزوجة يلاعن، ونحوه مذهب الشافعى.
قال الإمام: أصل اللعان فى الشريعة: الضرورة لحفظ الأنساب ونفى المعرة عن الأزواج وقد اختلف المذهب فيمن قذف زوجته، هل يلاعن على الجملة؟ أو حتى يتبين وجه دعواه؟ فمن رأى أن نفى الحد عن الزوج إذا رمى زوجته مقصود فى الشرع فى نفسه مكنه من ذلك.
وكذلك اضطرب المذهب - أيضاً - إذا ادعى الرؤيا للزنا، هل لا ينتفى الولد حتى يدعى مع ذلك الاستبراء؟ أو ينتفى وإن لم يدع استبراء وإن كان الحمل ظاهراً؟ فأحد الأقوال: أنه ينتفى الولد ولو كان الحمل ظاهراً، وقال بعض شيوخنا: ليس لهذا وجه، إلا أن تكون مشاهدته لزناها الآن علماً عنده على اعتيادها لذلك، ويغلب على ظنه منه أن الولد الذى هو حمل ظاهر من زنى آخر، فأبيح له نفيه بهذا الظن، كما يباح له نفيه بإراقة الدم وإن كان لا يؤدى إلى الظن؛ لأن الحامل قد تحيض. ومن أنكر من أصحابنا أن ينفى الحمل الظاهر قال: فإن الولد للفراش. وقصارى ما فى هذا التجويز أن تكون خانته قبل، ولا ينتفى الفراش وأحكامه بالتجويز المجرد. ومن أصحابنا من لا يوجب الاستبراء ولكنه شرط: ألا يكون الحمل ظاهراً؛ لأن ظهوره مع ثبوت الفراش كالشاهد عليه بأنه منه، وإذا لم يكن ظاهراً فلا شاهد عليه يمنعه من نفيه.