عليه السلام - أثبت للجالب الخيار إذا جاء إلى السوق، قالوا: وليس ذلك إلا للغبن، وقد تقدم كلامنا على هذا الحديث فى موضعه. وإذا قلنا بإثبات الخيار بالمغابنة، فإنها ذلك فيما خرج عن المعتاد منها، الذى لا يكاد تسلم منه البياعات. وقد حده بعض أصحابنا بالثلث؛ لأن أكثر البياعات لا تكاد تسلم من الغبن اليسير؛ ولهذا انتصب التجار، وعليه تقع أكثر البياعات. فكأن المغبون على ذلك دخل.
وقد قال بعض الناس: فى هذا الحديث دلالة على أن الكبير إذا سفه لا يحجر عليه. وقال بعضهم: وهذا لا تعلق لهم فيه؛ لأنه لا يجب الحجر على المغبون وانتزاع ماله من يده إذا كان ممسكًا له، ولكنه ينهى عن التجارة المؤدية لإضاعته.
وقوله:" كان الرجل إذا بايع يقول (١): لا خيابة ": أشار بعضهم إلى أنه كان ألثغ؛ فلهذا غير الكلمة.
قال القاضى: وهذا الرجل هو حبان بن منقذ بن عمرو الأنصارى، والد يحيى، وواسع بن حبان، شهد أحدًا، وقيل: بل هو منقذ أبوه، وكان قد أتى عليه مائة وثلاثون سنة، وكان شج فى رأسه فى بعض مغازيه مع النبى - عليه السلام - على بعض الحصون بحجر مأمومة، تغير منها لسانه وعقله، وذكر الدارقطنى: أنه كان ضرير البصر، وروى أن النبى - عليه السلام - جعل له هذه الثلاث، وكان أكثر مبايعته بالدقيق شهر فيها وتبين غبنه. وقد روى - أيضًا - أن النبى - عليه السلام - جعل له مع هذا خيار ثلاثة أيام فيما اشتراه، أو فى كل سلعة ابتعاها.
وقد اختلف الناس فى معنى هذا الحديث، فبعضهم جعله خاصًا لهذا الرجل وغيره، وأن المغابنة بين الناس ماضية وإن كثرت وهو قول مالك والشافعى وأبى حنيفة، وقيل: للمغبون الخيار لهذا الحديث إذا كثرت، وإليه ذهب البغداديون من المالكيين وحددوها بالثلاث، وصار الحديث عامًا متعديًّا.
وقد اختلف الأصوليون فى قضايا الغبن، هل تعدى أم تقصر إلا بدليل؟ وقد اختلف المذهب عندنا فيمن يخدع فى البيوع، هل يضرب على يديه أم لا؟ وقال بعضهم: فيه حجة على إمضاء بيع من لا يحسن النظر لنفسه وشرائه ما لم يحجر عليه، وفى مذهبنا فى ذلك وغيره اختلاف معلوم.
وقوله:" ذكر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يخدع فى البيوع "، وفى حديث آخر:" شكا "
(١) فى نسخ الإكمال: قال، والمثبت من الصحيحة المطبوعة، ع.