للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخِرِ فَلا يُؤذِى جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ ".

ــ

وكذا قوله - أيضاً -: " فليكرم ضيفه " (١) بمعنى ما تقدم.

والضيافة من آداب الإسلام، وخلق النبيين والصالحين، وقد أوجبها الليث (٢) وقال: هى حق واجب ليلة واحدة، واحتج بالحديث: " ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم " (٣)، وبحديث عقبة: " إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بحق الضيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغى لهم " (٤). وعامة الفقهاء على أنها من مكارم الأخلاق، وحجتهم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " جائزته يوم وليلة "، والجائزة العطية والمنحة والصلة، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار.

وقوله: " فليكرم وليحسن " تدل عليه، إذ ليس يستعمل مثله فى الواجب (٥)، مع


(١) حديث رقم (٧٤/ ٤٧) بالباب الثانى.
(٢) هو ابن سعد، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم الديار المصرية، مولده - بقرية فشندة. وهى الآن قلقشندة من أعمال القليوبية - سنة ثلاث وتسعين، سمع عطاء بن أبى رباح، وابن شهاب الزهرى، وهشام بن عروة، وخلق كثير، وروى عنه خلق كثير، منهم ابن المبارك، وابن لهيعة،. قال ابن وهب: كل ما كان فى كتب مالك: وأخبرنى من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد. وقال حرملة: سمعت الشافعى يقول: الليث أتبعُ للأثر من مالك. مات سنة خمس وسبعين ومائة. الطبقات الكبرى ٧/ ٥١٧، تاريخ بغداد ١٣/ ٢٧، سير ٨/ ١٣٦.
(٣) الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطحاوى فى المشكل ٤/ ٣٨، وتأوَّل الوجوب فيه على المارين بقوم فى بادية لا يجدون من ضيافتهم إياهم بدلاً، ولا يجدون ما يبتاعونه مما يغنيهم عن ذلك.
وقد أخرجه أحمد وأبو داود عن المقدام أبى كريمة بلفظ: " ليلة الضيف حق على كل مسلم " أبو داود، ك الأطعمة، ب ما جاء فى الضيافة ٢/ ٣٠٦، أحمد فى المسند ٤/ ١٣٠، ولفظه هناك: " ليلة الضيف واجبة .. ". وانظر: السنن الكبرى للبيهقى ٩/ ١٩٧.
قال الحافظ ابن كثير: " ومن هذه الأحاديث وأمثالها ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة ". تفسير القرآن العظيم ٢/ ٣٩٦.
وقال الخطابى: " ووجه ذلك أنه رآها حقاً من طريق المعروف والعادة المحمودة، ويشبه - أى الوجوب - أن يكون فى المضطر الذى لا يجد ما يطعمه، ويخاف التلفَ على نفسه من الجوع ". معالم السنن ٥/ ٢٩٢.
(٤) متفق عليه، وسيرد إن شاء الله: ك اللقطة، ب الضيافة ونحوها (١٧).
(٥) وهو ما يذم شرعاً تاركه قصداً مطلقاً، كما عرفه الأسنوى. نهاية السول ١/ ٥٢. وعرفه الآمدى بأنه عبارة عن خطاب الشارع بما ينتهض تركه سبباً للذم شرعاً فى حالةٍ ما. الإحكام فى أصول الأحكام ١/ ٩٢. ويراد فى الواجب كلمة الفرض، والمحتوم، واللازم عند الجمهور، وخالف الحنفية فى ذلك، فقالوا: إن الفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعى لا شبهة فيه، والواجب ما ثبت بدليل ظنى فيه شبهة. أصول الفقه ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>