للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا هذَا فَقَدْ قَضى مَا عَلَيْهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغيِّرْهُ بِيدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلِكَ أَضعَفُ الإِيمانِ ".

٧٩ - (...) حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ. وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهابٍ، عَن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، فِى قِصَّةِ مَرْوَانَ، وَحَدِيثِ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ

ــ

الذى جبذ بيد مروان إذ رآه يصعد المنبر وكانا جاءا معاً، فرد عليه مروان بمثل ما قال هذا الرجل، فيحتمل أنهما حديثان، جرى أحدهما لأبى سعيد، والآخر لغيره بحضرته.

وقوله: " فقد قضى ما عليه " بمحضر ذلك الجمع، دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعل مروان، وتبينه احتجاجه بقوله: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رأى منكم منكراً فليغيره " الحديث، ولا يسمى منكرًا ويعتقده هو ومن حضر [إلا] (١) ما استمر به عمل أو مضت به سنة. و (٢) فيه أدل دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل، وأن ما روى فيه عمن ذكرناه لا يصح، إذ لا ينبغى للآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يحمل الناس على اجتهاده ومذهبه، وإنَّما يغيِّر منه ما اجتمع على إنكاره وإحداثه.

واختلف العلماء فيمن قلده السلطان الحسبَة فى ذلك، هل يحمل الناس على رأيه ومذهبه إن كان من أهل الاجتهاد (٣)، أم لا يُغير على غيره ما خالف مذهبه؟ على قولين.

وقوله: " فليغيره بيده " أصل فى هذا الباب. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا خلاف فى ذلك إلا ممن لا يعتد بخلافه من الرافضة (٤). ووجوبه شرعاً لا عقلاً (٥) خلافاً للمعتزلة.


(١) ساقطة من ق.
(٢) زيد بعدها فى ق لفظة " قبل " ولا وجه لها.
(٣) واجتهاد المحتسب نوعان: اجتهاد شرعى، وهو. ما روعى فيه أصل ثبت حكمه بالشرع. والاجتهاد العرفى هو: ما ثبت حكمُه بالعرف، لقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وأْمُرْ بِالْعُرْف} [الأعراف: ١٩٩].
وعلى القول بأن للمحتسب أن يحمل الناس على رأيه ومذهبه - وهو مذهب أبى سعيد الاصطخرى - فشرط ذلك أن يكون المحتسب عالماً، من أهل الاجتهاد فى أحكام الدين. أحكام الحسبة: ٥٣.
(٤) واحتجوا بقوله تعالى: {لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم} [المائدة: ١٠٥]، ويرد عليهم بأن معنى الآية عند المحققين: إن امتثلتم لا يضركم تقصير من لم يمتثل. إكمال الإكمال ١/ ١٥٣.
(٥) وهو على الكفاية، ويتعين على من علم به أو لم يقدر عليه إلا هو. وشرط القيام به العلم. ثم ما اشتهر حكمه كالصلاة وحرمة الزنى يستوى فى القيام به العلماء وغيرهم، وما دق من الأفعال والأقوال فإنما يقوم به العلماء. نووى.

<<  <  ج: ص:  >  >>