للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما ما اثبت فيه ميتة من زيت أو سمن وعسل ذائب أو تمسه نجاسة، هل يستصبح به أو يجعل من الزيت صابون، ويعلق العسل النحل، أو يطعم الميتة بكلابه، أو الطعام النجس لماشيته، أو تطلى به السفن؟ يتحقق من مذهب مالك وكثير من أصحابه استعمال الزيت وغيره مما وقعت فيه النجاسة فى غير الأكل. واختلف فى ذلك أصحابه ومنعه بعضهم، قياساً على شحم الميتة، وهو قول عبد الملك وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح.

وأجاز بعضهم بيع الدهن إذا بين به ممن ينتفع به، وأجاز بعضهم استعماله وبيعه بعد غسله والادهان به، وروى نحوه عن مالك، وأن الغسل يطهره. ومنعه بعضهم، وإن غسل لتعذر ذلك، ولو كان لم يخف على من مضى، وإلى ما ذهب إليه مالك من جواز الانتفاع به ذهب الشافعى والثورى، وروى نحوه عن ابن عمر وعلى. وممن أجاز الانتفاع به فيما عدا الأكل وبيعه إذا بين به أبو حنيفة وأصحابه والليث، وروى عن أُبى والقاسم وسالم، وهو قول ابن وهب من أصحابنا، وقد جاء فى الحديث من رواية معمر فى الفأرة تقع فى السمن: " وإن كان مائعًا، فلا تقربوه " (١). وجاء من رواية أُخرى عنه: " وإن كان مائعًا فانتفعوا به واستصبحوا " (٢).

وأما شحوم الميتة، فجمهورهم على أنه لا ينتفع بها البتة بشىء؛ لأن عينها نجس، خلاف ما هو آت عن النجاسة لعموم نهيه - عليه السلام - عن الانتفاع من الميتة بشىء، فخصت السُّنَّة من ذلك الجلد، وبقى سائرها على التحريم، إلا عطاء بن أبى رباح، فأجاز أن يستصبح به، وتطلى به السفن. وإلى نحوه أشار الطبرى، وتأول الحديث بما أشار إليه قبل من النهى عن البيع لا عن غيره، وتأول عموم النهى على الندب والتنزه؛ لئلا تتنجس بمباشرته، وفى تحريم بيع الميتة حجة على منع بيع جثة الكافر إذا قتلناه من الكفار واقترابهم منا له.

وقد امتنع من ذلك النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة الخندق، وقد بذلوا له فى جسد نوفل بن عبد الله المخزومى عشرة إلا درهمًا فيما ذكر ابن هشام، فدفعه إليهم ولم يقبل ذلك منهم، وقال: " لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه ". وقد خرج الترمذى فى هذا حديثاً نحوه. وفى النهى عن ثمن الأصنام منع بيع الصور المقصود شراؤها كيف كانت، إذا كان ما فيها تبعاً لها، بخلاف إذا كانت هى تبعاً، كتصاوير الثياب والبسط وغيرها مما جاءت فيها الرخصة، وكذلك لعلة ما كان تبعاً للمبيع مما لم تأت فيه رخصة وكره، كصور الأباريق والمناور والأسرة؛ لأنها تبع لا يفسد البيع، لكن كره اتخاذها ويلزم طمسها وتغييرها. وقد رخص


(١) أبو داود، ك الأطعمة، ب فى الفأرة تقع فى السمن.
(٢) البيهقى فى السنن، ك الضحايا، ب من أباح الاستصباح به ٩/ ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>