للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نعقد أصلاً فيه سائر فروعه.

فاعلم أنا قدمنا أن البيع يقع نقداً ويقع نسيئة، فأما بيع النقد وهو ما تناقدا فيه العوضين جميعاً، فيجوز التفاضل فيه والتماثل والبيع كيف يشاءان، ما لم يكن التبايع فى الأثمان والأطعمة المقتاتة، فلا يجوز فيها التفاضل مع الجنسية ولا يباع منه المثل بمثله إلا متساوياً، وإن اختلفت جاز التفاضل وما سوى هذين القسمين يجوز بيعه على الإطلاق، فيحصل من هذا أن التفاضل مع الاختلاف فى بياعات النقود يجوز على الإطلاق، والتفاضل مع التماثل يجوز إلا فيما قدمناه الأثمان والمقتاتات.

والدليل على الجواز مع اختلاف الأجناس على الإطلاق قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (١)، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ".

والدليل على جواز التفاضل فيما سوى الثمن والمقتات، قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.

وأيضاً فإنه لو كان التفاضل فى سائر الأشياء ممنوعاً لم يكن لتخصيص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الستة بتحريم التفاضل معنى، ولقال: التفاضل حرام عليكم فى كل شىء، ولكن لما خص هذه الستة دل ذلك على أن التحريم ليس بعام فى سائر الأشياء، وإنما ينفى النظر فى هذه الستة، هل التحريم مقصور عليها ويكون كشريعة غير معقولة المعنى، أو يكون لاختصاصها بالتحريم معنى فيطلب ذلك المعنى فحيثما وجد حرم قياساً على الستة؟ فأما أهل الظاهر النفاة للقياس فإنهم قصروا التحريم عليها، وأباحوا التفاضل فى سائر الأشياء سواها، وهذا بناء منهم على [فاسد] (٢) أصلهم فى نفى القول بالقياس، والرد عليهم مذكور فى أصول الفقه. فأما جمهور العلماء المثبتون للقياس فإنهم تطلبوا لذلك معنى. وأما مالك فإنه يعتقد أنه إنما حرم التفاضل فيها لأمرين: أما الذهب والفضة فلكونهما ثمينين، وأما الأربعة المطعومة فلكونها تدخر للقوت أو تصلح القوت، وقد قدمنا أن ذلك كله مع تماثل الجنس.

وأما الشافعى فوافقه على العلة فى الذهب والفضة وخالفه فى الأربعة، فاعتقدوا أن العلة كونها مطعومة.

وأما أبو حنيفة فخالفهما فى الجميع، واعتقد أن العلة فى الذهب والفضة الوزن، وفى الأربعة الكيل، فخرج من مضمون ذلك أن مالكاً تطلب علته، فحرم التفاضل فى الزبيب؛ لأنه كالتمر فى الاقتيات، وحرم التفاضل فى القطنية؛ لأنها فى معنى القمح والشعير


(١) البقرة: ٢٧٥.
(٢) من المعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>