وقوله للذى قدم بتمر جنيب، وذكر أنه اشترى منه الصاع بالصاعين من الجمع:" لا تفعلوا، ولكن مثلاً بمثل، بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان "، قال الإمام: الجنيب: صنف من أعلى التمر، والجمع صنف من أدناه. وقيل: خلط من أنواع التمر.
قال القاضى: قيل: الجنيب ليس من التمر، والجمع كل لون لا يعرف اسمه، وقيل: كل لون من التمر جمع، وقد جاء فى مسلم فى نفس الحديث تفسيره: أنه الخلط من التمر، وقد جاء فى حديث أبى سعيد نفسه فى مسلم مكان " الجنيب ": " برانيا " وهو من أعلى التمر وأفضله.
قال الإمام: تعلق بعموم هذا الحديث من لا يحمى الذريعة، فيقول: قد أجاز هاهنا أن يبيع الجمع بالدراهم، ثم يشترى به جنيباً. ولم يفرق بين أن يشتريه ممن باع الجمع منه أو من غيره، ولم يتهم على كون الدراهم لغواً، ومن يحمى الذريعة يخصه بأدلة أخر.
قال القاضى بجواز ذلك من البائع أو كل. قال الشافعى وأبو حنيفة وكافتهم. وإنما راعى الذريعة فى ذلك مالك، وظاهر فعل هذا أن تحريم التفاضل فى مثل هذا بعد لم يكن فاشياً وإلا قيس، كأن يحصى على فاعله وهو عامل النبى بخيبر، وكان - عليه السلام - والأئمة بعده لا يقدمون على الناس فى أمر إلا من فقه فيه وعلمه، وعلم صلاح حاله؛ ولهذا لم يوبخه النبى ولا أدبه على مخالفة ما نهى عنه، ولا أنكر ذلك عليه أحد من أصحابه، لاسيما على رواية مالك فى الموطأ؛ أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نهاهم عن بيع التمر بالتمر، قالوا له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين، وذكر الحديث (١)، فهذا يدل أن الأمر كان أول التحريم، وعليه يدل حديث القلادة المتقدم.
وقوله:" وكذلك الميزان ": مما يستروح إليه الحنفى فى علة الربا، لذكره هنا الكيل
(١) الموطأ، ك البيوع، ب ما يكره من بيع التمر، ٢/ ٦٢٣ (٢٠).