قال الإمام: من الناس من أجاز بيع الدابة واستثناء البائع ركوبها؛ أخذاً بظاهر هذا الحديث، وأما مالك فيجيزه بشرط أن تكون مسافة هذا الركوب قريبة ويحمل هذا الحديث عليه، وأمَّا أبو حنيفة والشافعى فيمنعانه أصلاً لنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثنيا وعن بيع وشرط، وكأنهما يريان أن هذا لم تكن فيه حقيقة البيع، لأنه أعطاه الجمل والثمن لما وصل إلى المدينة، أو كان شرط الركوب لم يكن مقارناً للعقد، ويرون أن التعلق بنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الثنيا وعن بيع وشرط أولى من هذه الفعلة المحتملة، ونحن نخص الحديثين بهذه الفعلة؛ لأنهما عمومان وهذه أخص منها، والخاص يقضى على العام. ورده الجمل عليه لا يناقض كون الاول بيعاً، وليس من وهب ما اشتراه بعد حجة اشترائه رافعاً لكونه مشترياً له أولاً، ولو ارتفع شراؤه وسقط لارتفعت هبته وسقطت، فلا يصح حمل الحديث على أنه لم يقارن البيع هذا الشرط مع قوله:" فبعته إياه على أن لى فقار ظهره "، وهذا نص فى الاشتراط عند البيع. وقد اختلفت الأحاديث فى الشروط، ومن لم يكن يتفطن ذلك ونيابها اضطرب الأمر عليه.
وقد حكى أن رجلاً استفتى أبا حنيفة عن بيع وشرط، فقال: هما باطلان، ثم استفتى ابن شبرمة فقال: هما صحيحان، ثم استفتى ابن أبى ليلى فقال: البيع صحيح والشرط باطل. قال السائل: فقلت: سبحان الله، ثلاثة من فقهاء القرآن اختلفوا على فى مسألة واحدة هذا الاختلاف! وأتى أبا حنيفة فأعلمه بما قال صاحباه، فقال: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع وشرط، وأتى ابن شبرمة فاحتج له بحديث جابر هذا، وأتى ابن أبى ليلى فاحتج له بحديث بريرة المتقدم.
ونحن نبين الأحاديث فنقول: من الشروط ما يفسد العقد، ومنها مالا يفسده. فما كان منهما من مقتضى العقد - كالتسليم - أو مصلحته - كالرهن والجعل - صح البيع والشرط، وما كان ينافى موجب العقد ويدخل فى الغرر والجهالة بالمبيع فسد العقد والشرط. وكان شيخنا - رحمه الله - يقول: ما لا فائدة فيه ولا يؤدى إلى فساد فى البيع ولا يزاد فى الثمن ولا ينقص منه لأجله، فهذا الذى قد يقول فيه بعض أصحابنا: البيع صحيح والشرط باطل. وقال بعض الناس: قول جابر: " وزن لى ثمن البعير فأرجح لى فيه " دلالة على جواز هبة المجهول.
وقوله:" أفقرنى ظهره ": الإفقار فى اللغة: إعارة الظهر للركوب.
قال القاضى:[المماكسة](١) معناها: المكالمة فى النقص من الثمن. وأصلها من النقص، ومنه: مكس العشار، وهو ما ينتقصه ويأخذه من أموال الناس. والناضح: