للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والاها، لأن منها كان مبتدأ (١) الإسلام، وقيل: ما والاها من تهامة، لأن تهامة من أرض اليمن، وهكذا قال سفيان بن عيينة: أراد تهامة، وقيل: قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بتبوك، ومكة والمدينة بينه وبين اليمن فأشار إليها، ويعضد هذا قوله المتقدم فى حديث جابر: " الإيمان فى أهل الحجاز "، وقيل: أراد بهذا القول الأنصار؛ لأنهم يمانيون وهم نصروا الإسلام، وبادروا إليه ودخلوا فيه طوعاً. ويدل عليه قوله: " أتاكم أهل اليمن " ولأن أهل تهامة أكثرهم مضر وربيعة الذين وصفهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضد هذا، ووصف هؤلاء الآخرين [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلين القلوب ورقة الأفئدة وهو ضد ما وصف به الآخرين] (٢) ربيعة ومضر من قسوة القلوب وغلظها وجفائهم، ثم قال: " الإيمان يمان "، فبيَّن أنه أراد غيرهم، فالحديث يحكم بعضه على بعض، ويبين مُفسَّرُه مشكله، وأن المراد باليمن هنا الأنصار واليمانون النسب الذين استجابوا لله ورسوله [طوعاً] (٣) وبداراً، للين قلوبهم، ورقة أفئدتهم، بخلاف أهل [نجد] (٤) القاسية قلوبهم عن ذكر الله والإيمان به، كما وصف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطائفتين فى الحديث نفسه.

وإلى نحو ما ذكرناه ذهب الطحاوى وروى فيه حديثاً يفسرّه أنَّ عيينة فضل أهل نجد، فقال له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت، بل هم أهل اليمن، الإيمان يمان " وهو الذى يغلب على الظن ويحلو فى النفس لشواهد الحال من الفريقين، والله أعلم.


(١) كتب فى أصل ت: ابتداء، وأعيدت بالهامش مبتدأ.
(٢) سقط فى الأصل، واستدرك بهامشه بسهم.
(٣) ساقطة من الأصل.
(٤) فى جميع الأصول: الحجاز، وهو خطأ نساخ. والحديث أخرجه الطبرانى عن معاذ بن جبل. ولفظه: قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى دارنا يعرض الخيل، فدخل عليه عيينة بن حصن فقال للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنت أبصر منى بالخيل وأنا أبصر بالرجال منك، فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأى الرجال خير؟ " فقال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، ويعرضون رماحهم على مناسج خيولهم، ويلبسون البرود من أهل نجد. فقال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبت، بل خير الرجال رجال اليمن، الإيمان يمان ". قال الهيثمى: رواه الطبرانى ورجاله ثقات، إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ. مجمع ١٠/ ٤٤.
وعيينة هو ابن حصن بن حذيفة الفزارى، من قيس عيلان، واسم عيينة حذيفة فأصابته بقوةٌ - شلل - فجحظت عيناه فسُمى عيينة. ويكنى أبا ملاك، وهو سيد بنى فزارة وفارسهم، وصفه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة فقال: " هو الأحمق المطاع ".
قال ابن سعد: وارتدَّ عيينة حين ارتدت العرب ولحق بطليحة الأسَدى حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق، قال ابن عباس: فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أى عدوَّ الله، كفرت بعد إيمانك؟! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>