للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - (...) حدّثنا ابْنُ أَبِى عُمَرَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَاللَّفْظُ لِعَبْدٍ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِى سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ رَآهَا تُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَعُدْ فِى صَدَقَتِكَ، يَا عُمَرُ ".

ــ

حجة لقوله: " على فرس عتيق فى سبيل الله "، فإنما وقع النهى عنده لأنه على جهة الصدقة. ومن جهة المعنى: أن الصدقة مقربة لله - سبحانه - ولا يحسن الرجوع فيما تقرّب به إليه تعالى، والهبة ليست كذلك فاستخف شراؤها، وما وقع فى الطريق الآخر الذى ذكرناه: " العائد فى هبته " فلم يذكر ذلك عقيب نهيه عن الشراء، بل هو كلام مبتدأ، فقد يحمل على العود بغير معارضة فلا يكون فيه حجة على ما وقع فى الموازية.

وظاهر إطلاق مالك يؤذن أنه حمل التمنى على الندب؛ لأنه قال: لا ينبغى أن يشتريها وقال: يكره. وظاهر ما فى الموازية حمل النهى على المنع، وكذلك قال الداودى: إنه حرام. فعلى القول بحمل ذلك على الكراهية لا يفسخ العقد وعلى القول بحمله على التحريم قال بعض شيوخنا: يفسخ، وفيه نظر لأجل الاختلاف فيه، ولأنه ليس كل نهى يدل على فساد المنهى عنه.

واختلف المذهب فى المنافع، هل هى كالرقاب أم لا؟ فقال ابن المواز: كل من تصدق بغلة سنين ولم يتبل الأصل، فلا بأس أن يشترى المتصدق ذلك، وأباه عبد الملك، واحتج بحديث النهى عن الرجوع فى الصدقة، وأجاز لورثته أن يشتروا المرجع. قال: والحجة لمالك حديث العرية. قال بعض الشيوخ: العرية أصل قائم بنفسه أجيز للمرفق ورفع الضرر فلا يقاس عليه غيره.

قال القاضى - رحمه الله -: واختلفوا فى الهبة للثواب، فأجازها مالك، وهو قول الطبرى وإسحاق (١)، ومنعها الشافعى ورآها من البيع المجهول الثمن والأجل، وهو قول أبى ثور وأبى حنيفة (٢).

وذكر مسلم فى هذا الباب: حدثنا قتيبة وابن رمح، جميعًا عن الليث، وحدثنا المقدمى ومحمد بن المثنى، قالا: نا يحيى - وهو القطان - ونا ابن نمير، ونا أبى، وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، نا أبو أسامة، عن عبيد الله، كلاهما عن نافع. فقوله: " عن عبيد الله " يعنى جميع من ذكر فى غير حديث الليث وهم: القطان وابن نمير وأبو أسامة. وقوله: " كلاهما " يعنى الليث المذكور. وفى السند الأول: عبيد الله، وهو العمرى.


(١) انظر: التمهيد ٧/ ٢٤١. وقد ذكر أن إسحاق أجازها على نحو قول مالك وأبى حنيفة.
(٢) المصدر السابق ٧/ ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>