وقوله:" كبر كبر " وفى الرواية الأخرى: " الكبر الكبر "، قال الإمام - رحمه الله -: معناه: أن يبدأ بالأكبر: ومنه حديث أبى الزناد: " دعا بالكبر فنظروا إليه ": أى بالمشايخ.
قال القاضى - رحمه الله -: هو مفسر فى الحديث. قال: يريد السن فى الحديث الآخر: " ليبدأ الأكبر " لأن المتكلم أولاً كان محيصة وكان الأصغر، وإنما تقدم فى الكلام؛ لأنه الذى حضر القصة وشاهدها والخارج لخيبر مع عبد الله القتيل، ولم يحضر حويصة بخيبر، فلما أتو المدينة أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع قومه، وهذا كله مفسرٌ فى الحديث نفسه، هذا على رواية مالك، وأما على رواية غيره فإن البادئ بالكلام غير عبد الرحمن بن سهل أخو المقتول، وكان أصغرهم، وتقدم لقرباه، وأنه ولى الدم. والآخران أبناء عمه وعصبته، فيحتمل أنهما جميعاً أرادا الكلام واحداً بعد آخر، ألا تراه كيف قال هنا: فصمت فتكلم صاحباه، فأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتقدم الأكبر - وهو حويصة - إما لفضيلة السن، أو لفضيلة أخرى قارنتها. وفضيلة السن لا تنازع فيها إذا استوت الأقدام وأشكلت المراتب، ولذلك جاء فى الحديث فى الإمامة:" فإذا استووا فأسنهم "(١).
ففى هذا الحديث مراعاة السن والتقديم للأشياخ والكبراء فى الكلام وفى الجماعة فى محافل الناس وأمورهم، إذا كانت القضية تخص جميعهم لكونهم أولياءه، وكذلك يجب فى التقديم فى الأمور والولايات وغيرها مع استواء الأحوال.
ويقال: حويصة ومحيصة بتشديد الياء وسكونها.
وقوله:" لقد ركضتنى منها فريضة من تلك الفرائض "، قال الإمام - رحمه الله -: الفريضة هنا: الناقة الهرمة وهى - أيضاً - الفريض والفارض والفارضة. وقد فرضت تفرض بفتح الراء فى الماضى وضمها فى المستقبل.
(١) جاء الحديث فى البخارى ومسلم بمعناه، ونصه: " وليؤمكم أكبركم "، مسلم، ك المساجد ومواضع الصلاة، ب من أحق بالإمامة ١/ ٢٩٢، البخارى، باب إذا استووا فى القراءة فليؤمهم أكبرهم، ١/ ١٧٥.