للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦ - (...) حدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى حُلِىٍّ لَهَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِى الْقَلِيبِ، وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخِذَ فَأُتِىَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ.

ــ

قال القاضى - رحمه الله -: وذكر أبو عبد الله بن المرابط فى شرحه: أن هذا كان الحكم فى أول الإسلام؛ قبول قول القتيل، وأن هذا معنى هذا الحديث. وما جاء من اعترافه فى هذا الحديث فإنما جاز رواية قتادة ولم يقله غيره، وهو مما عد عليه ورضخه بين حجرين، ورضه بالحجارة، ورجمه بالحجارة، كله بمعنى، فإن رميه بالحجر الأعلى أو الحجارة وراءه على آخرين رجم بالحجارة، وقد يكون رجمه نوعاً مما فعل بها لما جاء فى الحديث الآخر: " ألقاها فى قليب ورضخ رأسها بالحجارة "، وهذا رجم لا شك فيه.

وقد اختلف الناس فى القصاص بغير المحدد من السيف والرمح والسكين وغيره، فذهب جمهور العلماء إلى أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به من حجر أو عصى، ولا تفريق أو اختلاف لهذا الحديث وغيره، ولقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} الآية (١)، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم} الآية (٢).

واختلف هؤلاء فى القصاص بالتحريق بالنَّار لمن فعل ذلك بأحد، فقال مالك والشافعى: إِنْ طرحه فى النار حتى مات فُعل به كما فعل، وقال ابن الماجشون وغيره: لا يحرق بالنار ويقتل بغير ذلك للحديث: " لا يعذب بالنار إلا الله " (٣).

ثم اختلفوا إذا لم يمت من ضربه بالعصى أو بحجر فى القود، فمعظمهم يرى تكرير ذلك عليه حتى يموت، وهو قول مالك والشافعى (٤)، إلا أن مالكاً قال فى روايته: إلا أن يكون فى ضرب العصى تطويل وتعذيب فيقتل بالسيف، وكذلك قال عبد الملك فى الرجم بالحجارة. وأصل هذا المذهب القود بما قتل. وقال الشافعى نحوه فى المحبوس فى البيت أياماً دون طعام حتى مات، يفعل بقاتله مثل ذلك وإن لم يمت فى تلك الأيام، فقيل: وكذلك من قطع يدى رجل ورجليه وألقاه فى مهواة فمات، يفعل بقاتله مثله. فإذا لم يمت قتل بالسيف (٥). وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن لا قصاص إلا بالسيف وروى عن الشعبى والنخعى والحسن، واحتجوا بحديث: " لا قود إلا بحديدة " وبالنهى عن المثلة (٦)، وحملوا حديث: " لا قود إلا بحديدة " فيمن لم يمثل وقتل بحديدة (٧).


(١) النحل: ١٢٦.
(٢) البقرة: ١٩٤.
(٣) أبو داود، ك الجهاد، ب كراهية حرق العدو بالنار ٢/ ٥٠ بلفظ: " إلا رب النار "، الدارمى ٢/ ٢٢٢.
(٤) انظر: المغنى ١١/ ٤٤٧.
(٥) انظر: الاستذكار ٢٥/ ٢٤٦، ٢٤٧.
(٦) انظر: المصدر السابق ٢٥/ ٢٤٧.
(٧) انظر: المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>