قال الإمام - رحمه الله - اختلف الناس فى المعضوض إذا جذب يده فسقطت أسنان العاض، فالمشهور عندنا أنه ضامن، وقال بعض أصحابنا: لا ضمان عليه. وبالتضمن قال الشافعى، وبإسقاطه قال أبو حنيفة. وقال بعض المحققين من شيوخنا: إنما ضمَّن من ضمَّن من أصحابنا لأنه يمكن النزع بالرفق حتى لا يقلع أسنان العاض، فإذا زاد على ذلك صار متعدياً فى الزيادة فضمَّن، وحملوا الحديث على من لم يمكنه النزع إلا بذلك الذى أدى إلى سقوط الأسنان. وقال بعضهم: لعل أسنانه كانت متحركة فسقطت عقب النزع، وهذا التأويل بعيد عن ظاهر الحديث.
وكذلك اختلف الناس - أيضاً - فى الجمل إذا صال على رجل فدافع عن نفسه فقتله، هل يضمَّن أم لا؟ وبنفى التضمين قلنا نحن والشافعى، وبإثباته قال أبو حنيفة، والحجة لنفى التضمين أنه مأمور بالدفع عن نفسه، ومن فعل ما أمر به لم يكن متعدياً، ومن ليس متعدياً فلا يضمن فى مثل هذا، وقياساً عليها لو قتل عبداً فى مدافعته إياه عن نفسه. ومن أثبت الضمان رأى أنه أحيا نفسه بإتلاف مال غيره فأشبه من اضطر لطعام غيره فأكل منه خوف الموت فإنه يضمن.
والفرق عندنا بين السؤالين: أن الأكل لطعام غيره ابتدأه من قبل نفسه ولا جناية من رب الطعام ولا من الطعام عليه، فلهذا ضمن. وفى الجمل لم تكن البداية منه بل سبب الجناية عليه، فلهذا لم يضمن. وأيضاً فإن الطعام ينوب غيره منابه فى إحياء نفسه، فكأن الضرورة فيه لا تحقق، فصار كأكل اختياراً. ولا مندوحة له فى الجمل، ولا تتفق مدافعة غير ذلك الجمل فلا تنجيه فتحققت الضرورة، فهذان فرقان بينهما.
ومن هذا المعنى سؤال ثالث وهو: لو رمى إنسان أحداً نظر إليه فى بيته فأصاب عينه، فاختلف أصحابنا - أيضاً - فى ذلك، فالأكثر منهم على إثبات الضمان، والأقل منهم على نفى الضمان. وبالأول قال أبو حنيفة، وبالثانى قال الشافعى، فأما نفى الضمان فلقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: