للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَتَقَارَبَا فِى لَفْظِ الْحَدِيثِ - حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا بُشَيْرُ ابْنُ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِىَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّى قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَزَنَيْتُ، وَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِى، فَرَدَّهُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ، فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: " أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ ". فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلَّا وَفِىَّ الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فِيمَا نُرَى. فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ - أَيْضًا - فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ. فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.

ــ

الغد، ثم جاء فقال: " طهرنى " وقال مثله فى سائر المرات: ما يحتج به ابن أبى ليلى ومن يقول. بالاعتراف أربعاً، وأنه لا يكون إلا فى أربع مجالس يفارق بينها الحاكم، حتى لا يراه، قياساً على الشهادة واللعان. ولا حجة فيه. وأبو حنيفة والكوفيون وأحمد بن حنبل يوجبون الأربع، ولا يشترط افتراق مجالسها كما تقدم، كما أنا لا نقيس الاعتراف بالقتل على شاهدين. ولم يقل أحد: إنه لا يقتل حتى يقر مرتين، كما لا يقتل إلا بشاهدين.

ولم يختلفوا فى القتل، وقد وقع لبعضهم خلاف فى غيره فى الحدود، فأبو يوسف وحده لا يقطع السارق بالإقرار حتى يقر مرتين. وقال زفر مثله فى حد الخمر، ولأن النبى - عليه السلام - لم يردد الغامدية، ولا أمر أنيساً بترديد المرأة الأخرى، بل قال: " فإن اعترفت فارجمها ". ولم يختلف فى الإقرار فى الأقوال أنها تكفى مرة، وأيضاً ففى كثير من الروايات إنما قال فى الثلاثة: " طهرنى "، فلما كان فى الرابعة قال: " مم أطهرك؟ " قال: من الزنا، فلم يعترف إلا مرة وما قبله كلام مبهم، فردده النبى - عليه السلام. فيه رعايته فى ستره، وهذا مفسر لما جاء مجملاً.

وقوله: " أشرب خمراً؟ "، قال الإمام - رحمه الله -: قال بعض الناس: فيه دلالة أن طلاق السكران لا يلزمه.

قال القاضى - رحمه الله -: هذا لا حجة فيه، وهذا باب درء الحدود بالشبهات؛ لأنه مقر فى حالة شك فى ثبات عقله فيها لو شرب خمراً، والحدود تدرأ بالشبهات، والطلاق واقع بتهمته على ما يظهر من عدم عقله لحد ما ألزمه من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>