للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله فى حديث الأعرابى: أنشدك الله إلا قضيت بكتاب الله، فقال الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لى. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قل "، وفى الموطأ وغيره: " وأذن لى فى أن أتكلم " (١): ومعنى " أنشدك الله ": أى أسالك به.

قوله " بكتاب الله ": قيل: بحكم الله، وقيل: بفرض الله، وقيل بما تضمنه كتاب الله من القضاء بالحق أو فى حكم الزانى البكر والمحصن، على ما ذكر عمر أنه كان مما يتلى.

وقوله: " موافقتهما " إما لأنه كان بتلك الصفة، أو يكون لوصفه القضية على وجهها، أو لقوله: " وأذن لى فى أن أتكلم " تزاد به فى سؤال النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وحذره الوقوع فى النهى من التقدم بين يديه، ومخاطبته بخطاب بعضهم بعضاً ضد ما فعل الآخر من قوله: " أنشدك الله " وكلامه له بجفاء الأعراب.

وقوله: " إن ابنى كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته "، قال الإمام - رحمه الله -: العسيف: الأجير، وجمعه عسفاء، نحو أجير وأجراء، وفقيه وفقهاء. أما قوله: " لأقضين بينكما بكتاب الله ": يحتمل أن يكون المراد به قضية الله تعالى والكتاب يكون بمعنى القضاء، ومن الناس من قال: فإن الرجم مشار إليه فى الكتاب بقوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} (٢)، وقد قال فى الحديث المتقدم: قد جعل الله لهن سبيلاً، وذكر الرجم. وقيل: قد كان الرجم مما يقرأ من القرآن ثم نسخ، وهو قوله: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ".

وقوله: " فسألت أهل العلم " ولم ينكر عليه فيه جواز الاستفتاء لمن كان مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مصر واحد، وإن كان يجوز على غير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخطأ والحيف عن الحق ما لا يجوز عليه، وهذا كالاقتصار على الظن مع القدرة على اليقين. وقد يتعلق به من أهل الأصول من يجوز استفتاء الفقيه، وإن كان هناك أفقه منه. وقد قال بعضهم: لِمَ لَمْ يجده للمرأة، وقد قال: فزنا بامرأته؟ وهذا لأنها اعترفت فرجمها.

قال القاضى - رحمه الله -: قيل فى قوله: " لأقضين بينكما بكتاب الله ": يحتمل فى بعض صلحكما الباطل الفاسد؛ لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل} (٣)، ويحتمل أن يريد بما قرأه فى كتاب الله تعالى من قوله: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة} (٤)، وبما كان يتلى من الرجم فى المرأة. وفى حد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنه، وإن لم يجز


(١) موطأ مالك، ك الحدود، ب ما جاء فى الرجم ٢/ ٨٢٢، أبو داود، ك الحدود، ب فى المرأة التى أمر النبى برجمها من جهينة ٢/ ٤٦١، الترمذى، ك الحدود، ب ما جاء فى الرجم على الثيب ٤/ ٣٩.
(٢) النساء: ١٥.
(٣) البقرة: ١٨٨.
(٤) النور: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>