للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيه قبول خبر الواحد. وفيه استتابة الحاكم غيره فى مثل هذه وشبهه، وهو أمثل فى اتخاذ القضاء والحاكم، وأصل فى وجوب الإعذار. وفى جوازه لو حد فى ذلك عندنا قولان. وقد يمكن أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت عنده اعترافهما بذلك شهادة هذين الرجلين، فكان توجيه أنيس لهذا إعذاراً لها. وقد احتج به قوم فى جواز حكم الحاكم فى الحدود وغيرها. بما أقر به عنده الخصم، وهو أحد قولى الشافعى فى إقامة الحد بذلك، وقول أبى ثور وفى الحد بذلك. والجمهور على خلافه.

وإنما اختلفوا كثيراً فى غير الحدود. وعندنا فى هذا قولان ولا حجة فيه للمخالف؛ إذ ليس فيه بيان، ويحمل قوله: " فإن اعترفت " على الإعذار فيما ثبت قبل واعتراف على ما عهد بالبينة. ويحتمل قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنيس: " فارجمها " أى قد وجب عليها الرجم بعد مطالعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باعترافهما وأمره بذلك، ويحتمل أنه فوض الأمر كله إلى أنيس فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولها - إن كان لم يثبت بعد - فقد جعل إليه الحكم فيها، هذا يدل على أن أنيساً وحده لا ينفرد بأمرها؛ إذ لابد من حضور جماعة لإقامة الحد عليها.

وفى الحديث: " فاعترفت فأمر بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجمت "، فدل أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم فيها بعد ما أعلمه أنيس بما صح عنده من اعترافها. فيه: أنه لم يفرق بين الزانية وزوجها، ولا أمر بتكرار الاعتراف منها. وقيل: فيه دليل على صحة الإجازة. وقيل: فيه تأخير الحدود إذا ضاق الوقت إلى أوسع منه؛ لقوله: " واغد يا أنيس ".

قال القاضى: وليس بين إن لم يأت أن هذا كان عشاء. " واغد " بمعنى: سر أى وقت كان، معروفاً فى كلام العرب. وفيه الاكتفاء بمجرد الإقرار دون مراعاة عدد كما تقدم، وليس فيه جلد مع الرجم. وفيه مراعاة الإحصان فى الرجم وقد صحت فى هذه المرأة، وأنها متزوجة. ولعل حال الدخول بها - وقد صحت فى هذه المرأة - كان معروفاً أو طول الإقامة مع الزوج أو وجود الولد، فاستغنى عن ذكره فى الحديث. وقد جاء فى الحديث المتقدم قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمعترف له: " هل أحصنت؟ ".

ولم يختلف العلماء فى مراعاة الإحصان للمرجوم، واختلفوا فى صفته، وما هو؟ فعند مالك أنها الوطء المباح بعقد صحيح تام لحر مسلم عاقل حين وطئه بالغ (١)، ولم يراع هذه الصفات فى الزوجة الموطوءة كيف كانت؛ أمة أو كافرة أو مجنونة أو صغيرة. ويراعى الصفات فيها هى إن زنت بعد الإحصان كالرجل، إلا إذا كان زوجها صبياً غير بالغ فلا يحصنها بخلاف الصبية مع البالغ.


(١) انظر: الاستذكار ٢٤/ ٦١ ما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>