وقد يتعلق بهذا الحديث من يوجب اليمين على المدعى عليه من غير اعتبار خلطة؛ أخذاً بعمومه وظاهره من غير تقييد بخلطه. ومذهب مالك فى مراعاتها لضرب من المصلحة؛ وذلك أنه أوجب لكل حد على كل أحد، لا تبذل السفهاء العلماء والأفاضل بتحليفهم مراراً كثيرة فى يومٍ واحدٍ، فجعل مراعاة الخلطة حاجزاً من ذلك.
وقد يتعلق بهذا الحديث من يرى ألا يقسم مع قول الميت: دمى مع فلان؛ لأنه فيه فى هذا الحديث على صيانة الدماء عن الانتهاء بالدعاوى، وقد قدمنا الكلام على هذا فى القسامة.
قال القاضى - رحمه الله -: حجة من راعى الخلطة مع المعنى الذى ذكره حديث ضميرة عن على وزيد بن ثابت - رضى الله عنهما - أو زيادته فى هذا الحديث إذا كانت بينهما مخالطة مع قضاء على بذلك، وهو مذهب الفقهاء السبعة، وأما سائر الفقهاء وأئمة الأمصار قد ترك مراعاة الخلطة وإمضاء الحديث على ظاهره فى كل أحد، وبه قال من أصحابنا ابن نافع وابن لبابة وغيرهما.
ثم اختلف شيوخنا فى معنى الخلطة، فقيل: معرفة المعاملة معه والمداينة بشاهد واحد وبشاهدين، وقيل: يجزئ فى ذلك الشبهة، وقيل: الخلطة أن يكون للدعوى بينة أن يدعى بها على المدعى عليه، وقيل: أن يكون المدعى عليه يشبهه أن يعامل المدعى.
وأجمع العلماء على استحلاف المدعى عليه فى الأموال إما مطلقة أو بعد موجب الخلطة أو الشبهة على ما تقدم. واختلفوا فى غير ذلك، فذهب الشافعى وأحمد وأبو ثور إلى وجوبها على كل مدعى عليه فى حد أو طلاق أو نكاح أو عتق؛ أخذاً بظاهر عموم الحديث، فإن نكل حلف المدعى وثبتت دعواه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يحلف النكاح والطلاق والعتق، فإن نكل لزم النكاح والطلاق والعتق. وقال الشعبى والثورى وأبو حنيفة: لا يستحلف فى الحدود إلا على السرقة. وقال نحوه مالك. وقال: لا يستحلف فى السرقة إلا إذا كان متهماً، قالا: أن يقوم لمدعى الحدود والنكاح أو الطلاق أو العتق فشاهد واحد، فيستحلف حينئذ عند مالك المدعى عليه لقوة شبهة الدعوى (١). واختلف قوله إذا أنكل، هل يحكم عليه بما ادعى عليه ويسجن؟ أو حتى يطول سجنه؟