للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتضمن أن الشاة لا غرامة فيها، رداً على المخالف؛ لأنه قال: " هى لك "، وظاهر هذا التمليك، والمالك لا يغرم. وأيضاً فقد قال: " وللذئب "، فنبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أنها كالتالفة على كل حال ومما لا ينفع صاحبها بقاؤها.

وتضمن الرد على المخالف فى اشتراطه البينة؛ لأنه قال: " فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه " ولم يشترط البينة، بل أمر بإعطائها، ولا معنى لقولهم: إنه يجوز له أن يعطيها إذا ظهر له صدق الواصف وهو المراد بالحديث. وأما أن يحكم عليه فلا، لأن قوله: " فأعطها إياه " أمر، فظاهره خلاف ما قالوه.

وتضمن الرد على داود فى قوله: لا يغرمها بعد الحول، لقوله: " فإن لم يجئ صاحبها كانت وديعة عندك "، وقوله: " فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه ".

وتضمن ترجيح أحد القولين عندنا فى نفى الدين عن الواصف؛ لأنه قال: " فأدها إليه " ولم يشترط يميناً كما لم يشترط بينة.

وهاهنا سؤال يقال: إذا كانت للصفة إنما أعطى بها الواصف لأنها دلالة على صدقه فى غالب الظن، وان جاز (١) أن يكون سمع الصفة من غيره، كما أن البينة دلالة، وإن جاز أن تكذب، فهل تطلقون هذا الاستدلال وتحكمون به فى كل مال؟

قلنا: أما المال الذى فى يد حائز يدعيه لنفسه ويحوزه زماناً، فهذا لا سبيل إلى إخراجه من يده بالصفة، لأن دلالة اليد أقوى من دلالة الصفة. وأما إذا كان لا يحوزه لنفسه فليس هناك دلالة تعارض دلالة الصفة، فحكم بدلالة الصفة.

فإن قيل: فإن سرق مالاً ونسى من سرقه منه، وأودع مالاً ونسى من أودعه إياه، ثم أتى من وصفه، هل يعطاه كاللقطة أم لا؟

قلنا: أما السرقة فالتزموا ذلك فيها أصحابنا، ورأوا أن يعطاها مدعيها إذا وصفها. وأما الوديعة فقد اضطرب أصحابنا فيها، فمنهم من أجراها مجرى اللقطة والسرقة، ومنهم من فرق بينهما. والفرق عنده أن كل موضع تعذر فيه على المالك إقامة البينة اكتفى فيه بالصفة، وكذلك السرقة. ولا يمكن أن يسقط للإنسان ماله ببينة فاكتفى فيه بالصفة، وكذلك السرقة؛ لأنه لا يسرق ماله ببينة، فاكتفى فيها - أيضاً - بالصفة إذا جهل المالك. وأما الوديعة فيمكن مودعها أن يتحرز بالإشهاد ففارقت اللقطة والسرقة، فصارت


(١) فى الأصل: جاء، والمثبت من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>