شهد له بها، لكنا مأمورون بتحسين الظن بالصحابة - رضى الله عنهم - ونفى كل رذيلة عنهم، وإضافة الكذب لرواتها عنهم، إذا استدت طرق التأويل. وقد حمل بعض الناس هذا الرأى على أن أزال من نسخته ما وقع فى هذا الحديث من هذا اللفظ، وما هو بعده مما هو فى معناه؛ تورعاً عن إثبات مثل هذا، أو لعله يحمل الوهم على رواته.
وإن كان هذا اللفظ لابد من إثباته ولا يضاف الوهم إلى رواته، فأمثل ما حمل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه؛ لأنه فى الشرع أنزل منزلة أبيه، وقال فى ذلك ما لا يعتقد وما يعلم براءة ابن أخيه منه، ولعله قصد بذلك ردعه وزجره عما يعتقد أنه مخطئ فيها، أو أن هذه الأوصاف وقع فيه على مذهبه من غير قصد لها، بل كان على - رضى الله عنه - عنده متأولاً فيها، فكأنه يقول: أنا على رأى إذا فعلت هذا عن قصد أو وقعت فى مثل هذا الوصف، وإن كان عند على - رضى الله عنه - لا يوجب على مذهبه وقوعه فيها، وهذا كما لو قال المالكى فى رجل شرب النبيذ: هو عندى ناقص الدين ساقط القدرات، لكان ذلك كلاماً صحيحاً على أصله، وإن كان الحنفى يعتقد أنه اْتى من ذلك مباحاً لا يفسد مروءته، ولا يسقط عدالته.
ومن الدليل على أن هذه الطريقة هى التى تسلك فى التأويل أو ما فى معناها؛ أن مجلساً حضر فيه عمر بن الخطاب - رضوان الله عليهم - وهو أمير المؤمنين، وقد عرف من تشدده فى الحدود والأعراض، وبعده عن المداهنة ما فات به الناس، وفيه عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد - رضوان الله عليهم - ثم قال هذا ولا ينكره منكر، ولا يزجر عنه عمر - رضى الله عنه - وهو الخليفة، وإليه صيانة الأعراض، وما ذاك إلا لما تأولناه؛ من أنهم فهموا بقرينة الحال أنه قال ما لا يعتقد على جهة المبالغة فى الزجر لعلى - رضى الله عنه - وزاد له حرمة الأب، والأب لا ينبغى أن ينصف منه فى العرض. هذا عندى وجه تأويل ما وقع فى هذا. وكذلك قول عمر - رضى الله عنه -: " إنكما جئتما أبا بكر - رضى الله عنه " وذكر ما قال لهما، وذكر عقيب ذلك:" فرأيتماه كاذباً آثماً خاذلاً