فإن قيل: فإن الاعتزاز إلى الآباء والافتخار بهم من عمل الجاهلية، فكيف قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أنا ابن عبد المطلب "؟ قيل: إنما كان هذا لأنه يحكى أن سيف بن ذى يزن لما قدمت عليه قريش، أخبر عبد المطلب أنه سيكون جد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه يقتل أعداؤه، وذلك مشهور عند العرب، وأراد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذا الاسم ليذكرهم بالقصة، فتقوى مُنَّتهم فى الحرب، وربما ثارت الطباع فى الحروب بهذا وأمثاله. وقيل: بل رؤيا رآها عبد المطلب، تدل على ظهوره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغلبته، وكانت مشهورة عندهم، أراد - أيضاً - أن يذكرهم بها.
قال القاضى: لا ينكر السجع فى كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه وخطبه، واذا كان هذا فمجيئه بـ " ابن عبد المطلب " سجع لا كذب، لا يحتاج إلى عذر، وأيضاً فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كانت الجاهلية تنسبه الى عبد المطلب، وبذلك كان يعرف؛ لأن عبد المطلب كان سيد مكة، وبنوه وبنو بنيه ينسبون إليه؛ ولأن أباه عبد الله مات شاباً فى حياة أبيه قبل اشتهاره فى العرب، والنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان يدعوه كثير منهم بابن عبد المطلب، وفى حديث ضمام:" أيكم ابن عبد المطلب "(١) فذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا نفسه ونسبه تعريفاً لأصحابه بنفسه، وأنه ثابت ملازم مركزه لم يخف مع من خفى، ولا زل فيمن زل وراعه هول الأعداء، ولا زعزعوه عن مكانه لما ناداهم عمه العباس بشدة صوته وميزوه، فرجعوا إليه وقربوا منه، ناداهم هو بنفسه ليفيؤوا إليه، وتقوى عزائمهم بمكانه.
ومعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أنا النبى لا كذب ": أى حقاً، ويرجع مراده فى ذلك الى
(١) البخارى، ك العلم، ب ما جاء في العلم ١/ ٢٤، أبو داود، ك الصلاة، ب ما جاء فى المشرك يدخل المسجد ١/ ١١١، النسائى، ك الصيام، ب وجوب الصوم ٤/ ١٢٤ (٢٠٩٤)، الدارمى، ك الصلاة، ب فرض الوضوء والصلاة ١/ ١٦٦، أحمد ١/ ٢٦٤.