للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قوله: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه} (١).

وقيل: يحتمل ذكر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر من الكبائر أن ثم كبائر أخر لم تُبيَّن؛ ليكون الناس من اجتناب جميع المنهيات على حذر لئلا يواقعوا كبيرة.

وإلى ما نحى ابن عباس إليه من أن كل ما عصى الله به كبيرة قال المحققون (٢) به قالوا: واختصاص النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سماه من الكبائر وأكبر الكبائر، ليس فيه دليل على أن لا كبيرة سواها. وأما ترتيبه أكبر الكبائر: فأما تقديم (٣) الشرك فلا خفاء به، وترتيب ما رتب بعده بحكم ما يكون أعظم ارتكاباً فى ذلك الوقت وما تخشى مواقعته، وتمس الحاجة إلى بيانه. وليس يقتضى أن لا كبيرة إلا ما نص عليه أو لا كبيرة بعد الإشراك أكبر مما نص على تواليه فى تلك الأحاديث، إذ قد وجدنا اللواط [أعظم من] (٤) الزنا، ولا ذكر له فى الأحاديث، والقتل أعظم من عقوق الوالدين ولم يذكره فى بعض الأحاديث، بل اختلافهما يدل على ما ذكرناه من ذكر الأهم وما تمسُّ الحاجة إليه، كما تقدم فى (٥) ذكر أفضل الأعمال. وقد يكون ما نصّ أكبر الكبائر بعد الشرك من القتل، ثم ذكر بعده فى بعضها (٦) العقوق، وفى بعضها عقوق الوالدين بعد الإشراك، ثم ذكر يمين الغموس فى حديث عبد الله بن عمرو على ترتيب آخر، وهو أن القتل جاء ثانياً للشرك فى حديث، وعقوق الوالدين جاء ثانياً فى حديث آخر، فيفهم من هذا المعنى أن إثمهما واحد ودرجتهما فى العقوبة سواء، ثم كذلك اليمين الغموس مع الزنا فى درجة


= بسند ضعيف، لا سيما ورواه المنذرى فى تفسيره عن ابن عباس من قوله، وله شاهد عند البغوى ". كشف الخفا ٢/ ٣٦٤.
(١) النساء: ٣١. رواه ابن جرير من حديث الأعمش، عن أبى الضحى عن مسروق، والأعمش عن إبراهيم عن علقمة، كلاهما عن ابن مسعود، ومن حديث سفيان الثورى وشعبة عن عاصم بن أبى النجود، عن زر بن حُبيش، عن ابن مسعود. تفسير الطبرى ٨/ ٢٤٣.
وانظر: أقوال ابن عباس فى الكبائر فى التفسير العظيم للإمام ابن كثير ٢/ ٢٤٦، وقد بقى من أقوال المتأخرين فى تحديد الكبيرة قول أبى حامد الغزالى: أنها ما فعل دون استشعار خوف ولا اعتقاب ندم ينغص اللذة.
(٢) أخرجه الطبرى قال: حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا أبو نعيم، حدثنا عبد الله بن سمعان عن أبى الوليد قال: سألت ابن عباس عن الكبائر فقال: هى كل شىء عصى الله فيه فهى كبيرة. تفسير الطبرى ٨/ ٢٤٦.
قلت: وقول ابن عباس وإن صح فتوى صحابى لا تمنع من اعتبار غيرها: فقد أخرج أحمد ٣/ ٣٨٥ بسند صحيح عن أنس بن مالك: " إنى لأعرف اليوم ذنوباً هى أدقُّ فى أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكبائر "، وقد أخرج البخارى فى صحيحه من حديث زيد بن عبد الله بن عمر قال: قال أناسٌ لابن عمر: إنا ندخلُ على سلطاننا فنقولُ لهم خلاف ما نتكلَّمُ إذا خرجنا من عندهم؟ قال: كنا نَعُدَّ هذا نفاقاً. ك الأحكام، ب ما يكره من ثناء السلطان ٩/ ٨٩.
(٣) فى الأصل: تقدم.
(٤) فى الأصل: من أعظم.
(٥) فى الأصل: و.
(٦) فى ت: فضلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>