للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاطَّلعَ إِليْهِمْ رَبُّهُمُ اطَّلاعَةً. فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالوا: أَىَّ شَىْءٍ نَشْتَهِى؟ وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلوا، قَالوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلمَّا رَأَى أَنْ ليْسَ لهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ".

ــ

النسمة " (١). قال الشاعر:

أرى النسمات ينفضن الغبارا

يعنى البعث، وقد تعلق بحديثنا هذا وبشبهه بعض الملحدة ممن يقول بالتناسخ وانتقال الأرواح، وتنعيمها فى الصور الحسان المرفهة، وتعذيبها فى الصور القبيحة المسخرة، وأن هذا هو معنى الثواب والعقاب والإعادة حتى إذا استوت بنيته، وإنما الصور قوالب لهذه الأرواح تنتقل فيها. وهو ضلال وإبطال لما جاء به الشرع من الحشر والنشر، والجنة والنار؛ إذ قد قال فى الحديث: " حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " (٢) أعنى يوم يجىء جميع. فإنما تكون هذه الطيور قبل البعث مقاعد لها كقناديل الذهب المذكورة معها، ولعل هذه الطيور كانت على صورها من ذهب أو يواقيت أو ما شاء الله تعالى. كما جاء فى صفات خيل أهل الجنة، وأنها كلها مراكب (٣) ومجالس لأهل الجنة ولأرواحهم قبل البعث كما قيل فى سدرة المنتهى: إليها تنتهى أرواح الشهداء، وذكر أنه غشيها فراش من ذهب. ولعلها - والله أعلم - أنها من تلك الطيور التى تسرح بها أرواح الشهداء التى تأوى إليها فكلٌّ يحتمل، غير مستحيل، ولا يبعد.

وأما قوله تعالى لهم: " هل تشتهون شيئاً ": فمبالغة فى الإكرام والنعيم؛ إذ قد أعطاهم ما لا يخطر على قلب بشر، ثم رغبهم فى سؤال الزيادة، فلم يجد وراء ما أعطاهم من مزيد، لكن تلقوا ذلك بالشكر بأن سألوه بأن يرد أرواحهم إلى أجسادهم حتى يجاهدوا فيه، ويبذلوا أنفسهم، ويقتلوا فى شكر إحسانه، ويستلذوا ألم القتل والموت لمكافأة بره، ويجودوا بذواتهم له، إذ لم يقدروا على غاية فوق ذلك والجود بالنفس أقصى غاية الجود.


(١) البخارى، ك الديات، ب العاقلة ٩/ ١٣، وسبق فى مسلم، ك الإيمان، ب الدليل على أن حب الأنصار وعلى من الإيمان.
(٢) أبو داود، ك السنة، ب فى المسألة فى القبر وعذاب القبر ٢/ ٥٤٠، النسائى، ك الجنائز، ب أرواح المؤمنين ٤/ ١٠٨، ابن ماجه، ك الزهد، ب ذكر القبر والبلى رقم (٤٢٧١).
(٣) فى الأبى: مراتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>