للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَشَقَّ عَليْهِ. قَالَ: أَوْلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُيِّبْتُ عَنْهُ، وَإِنْ أَرَانِىَ اللهُ مَشْهَدًا، فِيمَا بَعْدُ، مِعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليَرَانِىَ اللهُ مَا أَصْنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا. قَالَ: فَشَهِدَ مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. فَقَالَ لهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ فَقَالَ: وَاهَا لِرِيحِ الجَنَّةِ، أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ. قَالَ: فَقَاتَلهُمْ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ: فَوُجِدَ فِى جَسَدِهِ بِضعٌ وَثَمَانُونَ، مِنْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. قَالَ: فَقَالتْ أُخْتُهُ - عَمَّتِى الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرُ -: فَمَا عَرَفْتُ أَخِى إِلا ببَنَانِهِ، وَنَزَلتْ هَذِهِ الآيَةُ: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (١). قَالَ: فَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَهَا نَزَلتْ فِيهِ وَفِى أَصْحَابِهِ.

ــ

وقوله: " لئن شهدت فيما بعد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليرين الله ما أصنع، فهاب أن يقول غيرها ": يشير أنه أبهم الأمر إلى ما يراه الله، ولم يفسر ما يصنع وهابه، لئلا يكون قوله مردوداً إلى قوته وحوله فيعجزه الله عنه.

وقوله: " واهاً لريح الجنة ": كلمة تحنى وتلهف، وقد قيل: إنها بمعنى الإغراء، وقد يصح هنا، ولها معان أخر فى غير هذا، فقد تأتى بمعنى الاستهانة للشىء، وبمعنى الترحم عليه.

وقوله: " أجده دون أحد ": يحتمل أن يكون حقيقة، وأن الله أوجده إياه تقدمة لما كتب له من الشهادة؛ ولأن ريح الجنة يوجد على مسيرة خمسمائة عام، كما جاء فى الحديث، أو يكون على التمثيل والتقريب، أى أنها موجبة لمن شهد أحداً أو يستشهد عنده.

وقوله: " ففيه نزلت هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ": قيل: فيه حجة بجواز الاستقتال المقدم ذكره، والوفاء بذلك لمن عقده فى نيته، على أنه ليس فى الحديث هنا إلا قوله: " ليرين الله ما أصنع "، لكن ظاهر ما فى البخارى ذلك لأنه حمل على المشركين حين انكشف المسلمون وقال: " اللهم إنى أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعنى أصحابه " (٢).


(١) الأحزاب: ٢٣.
(٢) البخارى، ك الجهاد، ب قول الله عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} ٥/ ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>