للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غنيمة. وهذا الحديث الآخر لم يشترط فيه هذا الشرط، فيحتمل أنه فيمن خرج بنية الجهاد وطلب المغنم، فهذا شرك بما يجوز له الشريك فيه، وانقسمت نيته بين الوجهين فنقص أجره، والأول أخلص فكمل أجره.

وأوجه من هذا عندى فى استعمال الحديثين على وجههما أيضاً: أن أجر المغانم بما فتح عليه من الدنيا وحساب ذلك عليه وتمتعه به فى الدنيا وذهاب شظف عيشه فى غزوة وبعده إذا قوبل، فمن أخفق ولم يصب منها شيئاً، وبقى على شظف عيشه والصبر على حالته فى غزوة، وجد أجر هذا [أبداً فى ذلك] (١) وافياً مطرداً بخلاف الأول، ومثله قوله فى الحديث الآخر: " فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " (٢)، فكان هذا إذا لم يهدب ثمرة الدنيا والاتساع فيما فتح عليه من مغانمها، وبقى على حالته الأولى، كان أجره فى الصبر والتقلل على ما كان عليه، فلما خالف لم يكن له ذلك الأجر، فكأنه نقص بما كان له فى التقدير وكذلك هذا - والله أعلم.

ويدل على صحة هذا التأويل قوله: " إلا تعجلوا ثلثى أجرهم " أى أنهم نالوا من الدنيا ما هو حساب ما فاتهم منها بقدر ثلثى الأجر، ولو كان نقصاً من الأجر فى الأصل كان على ثلث أجر من لم يغنم، كما قال فى صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (٣)، لما كان حظ الأجر فى أصل العمل - والله أعلم. وأما على ما جاء فى الحديث فيخفق ويصاب الإثم أجورهم فبين؛ لان لهم أجر الجهاد كاملاً، وأجر ما فاتهم من الغنيمة، وأجر ما أصابهم من العدو، ونال منهم واستشهدوا، بخلاف من لم يصب الذى له أجر الجهاد فقط. ولا شك أن المصائب كثيرة الأجور، فكيف إذا كانت فى ذات الله؟، فهى مضاعفة على تقدير ما جاء فى الحديث من الثلثين وأكثر، فيكون معنى قوله فى التى غنمت ولم تصب: " أنها تعجلت ثلثى أجورها "، بالإضافة إلى الأخرى إلى تضاعف أجرها عليها مرتين ساوتها فى أجر الجهاد، وفضلت عليها بأجر الإخفاق وأجر الإصابة، فجاء نقصها عن درجتين من درجات هذه، كأنه تعجيل بما حصل لها من الدنيا، والأخرى بخلافها، كما قال فى الحديث المذكور قبل: " فمنا من لم يأكل من أجره شيئاً " على ما قدمناه.


(١) سقط من س.
(٢) سبق تخريجه قريباً، وهو فى الجنائز حديث رقم (٤٤).
(٣) سبق فى: ك صلاة المسافرين، ب جواز النافلة قاعداً وقائماً برقم (٧٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>