وقوله:" أصبنا غنماً وإبلاً فعجل القوم، فأغلوا بها القدور، فأمر بها فكفئت " الحديث، قال القاضى: أى قلبت، وقد تقدم.
قال القاضى: يمكن أن يكون أمره بإكفاء القدور لأنهم استباحوا منها على القرب ما كانوا يعرفون فيما بعد عن بلاد الإسلام، وموضع الأمر مطاع مما هو مضطرون إليه، وفى هذه الغنيمة كانوا بذى الحليفة - كما جاء فى الحديث - قريباً من المدينة ومن منازلهم، فلم يكونوا مضطرين إليها، فمنعهم من ذلك إلا بإذنه، وأراهم أن ما فعلوه فلا يجوز لهم، وأنه من باب الغلول. قال: ولو قيل إن ذلك كان من قبل أنهم بادروا قبل القسم لكان داخلاً فى المعنى، وقال غيره: إنما أبيح أكل الطعام والحيوان فى بلاد العدو، وقيل: تخليص الغنيمة إلى أرض الإسلام، وأما فى أرض الإسلام فلا يأخذوا منها إلا ما قسم لهم لأنها غنيمة خالصة، وقد يكون عندى من باب أنهم إن نهبوها ولم يأخذوها باعتدال وقدر الحاجة، وكذلك وقع فى غير مسلم فى غير هذا الحديث: فانتهبناها، فأمرهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإكفاء القدور بما فيها، وقال:" إنها لا تحل النهبة " الأثر (١). كيف قال فى هذا الحديث:" فأصبنا نهب إبل وغنم "، وأنه عدل بينهم فيما بقى بعد ذلك، فقد عدل عشراً من الغنم بجزور. ولم يذكر هنا قرعة، ولا خلاف أن ما اختلف أجناسه ولم يدخله قرعة أنه جائز، تفاضلوا فيه أو تساووا لأنها مراضاة، ولا يجوز القرعة إلا فى التساوى والجنس الواحد، والتعديل فى عدل النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جزوراً الأصل عندنا المذهب، والأظهر والأكثر جوازه وفيه حجة لنقوص ذلك فى الهدايا على ما تقدم فى الحج.
قال المهلب: إنما أمرهم بإكفاء القدور وطرح ما فيها عقوبة لهم؛ لاستعجالهم وتركهم النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أخريات القوم، ولما يخشى من مكيدة، كما جاء فى الحديث: والنبى فى أخريات القوم فعجلوا ويقدم مسرعاً والناس، فنصبوا القدور فحرمهم ما تعجلوا له عقاباً لهم؛ كما منع القاتل الميراث وشبهه.
(١) ابن ماجه، ك الفتن، ب النهى عن النهبة رقم (٣٩٣٨) بلفظ: " أن النهبة لا تحل ": قال فى الزوائد: إسناده صحيح ٢/ ١٢٩٩.