للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِى سكَكِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لِى أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا. فَهَرَقْتُهَا. فَقَالُوا - أَوْ قَالَ بَعْضُهمْ -: قُتِلَ فُلانٌ، قُتِلَ فُلانٌ، وَهِى فِى بُطُونِهِمْ - قَالَ: فَلا أَدْرِى هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (١).

ــ

وقع الإسكار استوى الجميع عند الجميع.

والحجة لجمهور العلماء الاستنباط من الكتاب وظواهر الأخبار، [فأما] (٢) المستنبط من الكتاب: فإن الله - سبحانه - نبه على أن علة تحريم الخمر كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، [وتوقع العداوة والبغضاء على حسب ما قال الله عز وجل: {إِنِّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاة} (٣)] (٤) وهذا المعنى بعينه موجود فى كل مسكر على حد سواء، لا تفاضل بين الأشربة فيه، فيجب أن يكون حكم جميعها واحداً.

فإن قيل: إنما يتوقع هذا فى الإسكار المغير للعقل، وتلك حالة اتفق الجميع على منعها، قلنا: قد اتفق الجميع على منع عصير العنب وإن لم يسكر، وعلل البارى - سبحانه - التحريم [بما ذكرناه، فإذا كان ما سواه فى معناه فيجب أن يجرى فى الحكم مجراه، وصار التحريم] (٥) للجنس، وعلل بما يحصل من الجنس على الجملة، وهذا وجه صحيح. هذا مأخذ التعليل من تنبيه الشرع، وتلقى التعليل من سياق التنزيل أولى وآكد من سائر ما يتعلق به فى هذا النوع.

وللتعليل مأخذ ثانٍ، وهو أنا نقول: إذا شربت سلافة العنب عند اعتصارها ولم تشتد وهى حلوة فهى حلال إجماعاً، وإن اشتدت وأسكرت حرمت إجماعاً، فإن تخللت - أيضاً - من قبل الله تعالى حلت أيضاً، فنظرنا إلى تبدل هذه الأحكام وتجددها عند تجدد صفات وتبدلها، فأشعر ذلك بارتباط الأحكام بهذه الصفات، وقام هذا مقام النطق بذلك، فوجب جعل ذلك علة، وحكم بكون الشدة والإسكار علة التحريم؛ لما رأينا التحريم يوجد بوجودها ويفقد بفقدها، وإذا وضح ذلك ثبت ما قلناه.

هذه إحدى الطريقتين من تصحيح ما عليه الجمهور، والطريقة الأخرى: الأحاديث الكثيرة، منها ما ذكر مسلم لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل مسكر حرام " (٦) وقوله: " نهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة " (٧)، وقوله: " إن الله عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة


(١) المائدة: ٩٣.
(٢) ساقطة من الأصل، والمثبت من ع.
(٣) المائدة: ٩١.
(٤) سقط من الأصل، والمثبت من ع.
(٥) سقط من الأصل، والمثبت من ع.
(٦) و (٧) سيأتى فى ب بيان أن كل مسكر خمر، برقم (٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>