لأن حكم الزمن والرجل المعظم عندهم جواز ذلك، وهو نحو ما تقدم من أن ذلك لا يستقذر منه ولا يكره، بل يتودد له بذلك ويستحب منه، ويحابى به وإن لم يتناوله هو بنفسه.
وقول أنس:" فما زلت أحب الدباء من يومئذ ": لأجل ما رأى من حب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، ومن تمام الإيمان حب كل ما أحب النبى، وتتبع آثاره فى كل شىء، والتخلق بأخلاقه. فقد كان ابن عمر يحب موافقة ذلك منه فى كل شىء حتى فى مواطئ حافر ناقته، وقد قال ابن المنذر: يستحب أكل الدباء لأجل هذا الحديث.
وفى طبخ القديد بالدباء جواز استعمال ذلك، وطبخ اللحم والقديد مع غيره من الخضر وغيرها لتكثير الطعام وتطييبه، وليس من باب إدامين ولا من السرف، وقد جاء فى الخبر الآخر يكثر به طعامنا، مع ما فى ذلك من تدبير طى لكسر حرارة القديد، وتعديل يبسه ببرد القرع ورطوبته، كما قال - عليه السلام - فى أكل القثاء بالرطب:" يكسر برد هذا حر هذا ".
وفى أكل أنس مع النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما بإذن صاحب الطعام، أو لأنه كان صنع للنبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وملكه، فلو شاء أكله كله إذا كان قدر كفايته، فله مواساة غيره منه.
وفيه أن الخياط لم يؤاكلهما، ففيه دليل أنه ليس من الواجب على المضيف أكله، لكن قد يستحب له أحياناً لتبسطه بذلك وتنشطه، لاسيما إذا كان الضيف وحده، وقد يستحب له ترك ذلك إذا كان الطعام قليلاً يؤثره به، ولا يضيق عليه فيه، وقد يأتى مواضع يكون الحال فيها سواء والخيار له فيما فعل، وكل واسع.