للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَيِّرُوا هَذَا بِشَىْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ".

ــ

وخضب جماعة من الخلفاء والصحابة والتابعين فمن بعدهم (١)، واحتجوا بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخضاب بالأحاديث التى ذكر مسلم وغيره فى ذلك.

ثم اختلفوا: فكان أكثرهم يخضب بالصفرة، منهم على وابن عمر وأبى (٢) هريرة، فى آخرين، وكان منهم من يخضب بالحناء وبالكتم، ومنهم من يصبغ بالزعفران، وكان منهم من يخضب بالسواد وذكر ذلك عن عمر، وعثمان، والحسن، والحسين، وعقبة بن عامر، [ومحمد بن على، وعلى بن عبد الله بن عباس، وعروة] (٣) وابن سيرين، وأبى بردة فى آخرين، وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: هو [أشار] (٤) للزوجة، وأهيب للعدو. وكان بعضهم لا يخضب، وبه أخذ مالك وذكره عن على بن أبى طالب، قال: وتغيير السواد أحب إلىّ.

قال الطبرى: والصواب عندنا أن الآثار التى رويت عن النبى - عليه السلام - بتغيير الشيب وبالنهى عن تغييره كلها صحاح، وليس فيها شىء يبطل ما خالفه، لكن بعضها عام وبعضها خاص، فالمراد بأحاديث التغيير الخصوص مما كان مثل شيب أبى قحافة. فأما الشمط (٥) ففيه النهى عن التغيير والبقاء على الشيب. واختلاف السلف فى فعل الأمرين بحسب اختلاف أحوالهم فى ذلك، مع أن الأمر والنهى فى ذلك ليس على الوجوب للإجماع على هذا؛ ولهذا لم ينكر بعضهم على بعض خلافه فى ذلك، ولا يصح أن يقال: إن أحدهما نسخ الآخر؛ لعدم دليل ذلك ومعرفة المتقدم من المتأخر من ذلك.

وقال غيره (٦): الأمر فى ذلك على وجهين وحالين:

أحدهما: عادة البلد، فمن كانت عادة موضعه ترك الصبغ أو الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة تقبح [وبلده] (٧).


(١) منهم أبو بكر، وعمر، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن أبى أوفى، والحسن بن على، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن الأسود. انظر: التمهيد ٢١/ ٨٤، وابن أبى شيبة، باب فى الخضاب بالحناء ٦/ ٥٠.
(٢) فى ح: أبو.
(٣) سقط من ح.
(٤) فى ح: أسكن. الحديث رواه ابن ماجه عن صهيب ٢/ ١١٩٧.
(٥) هو اختلاط الشيب بالشعر، وقيل: هو أن يعلو البياض فى الشعر السواد، وقيل: هو اختلاط البياض بالسواد. انظر: اللسان مادة " شمط ".
(٦) هو الباجى فى المنتقى ٧/ ٢٧٠، ك الجامع، ب ما جاء فى صبغ الشعر.
(٧) فى ح: ومكروه.

<<  <  ج: ص:  >  >>