للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجُلُ الَّذِى ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأعْظَمَ النَّاسُ ذلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِى طَلَبَهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذلِكَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيَما يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهْلِ الْجَنَّةِ ".

ــ

وقول الآخر: " أنا صاحبه أبدًا ": أى لا أفارقه، وأتبع أمره حتى أعرف ماله، إذ أخبر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما دل على سوء عقباه، وخاتمته، وسوء سريرته بكونه من أهل النار، وخبره صادق لا شك فيه، وكان ظاهره غير ذلك من نصر الدين وحسن البصيرة فيه، فأراد معرفة السبب الموجب لكونه من أهل النار ليزداد يقينًا وبصيرة كما فَعَل وذكر فى نفس الحديث (١)، وتجديد شهادته بالنبوة (٢).

ودلَّ بمجموع (٣) هذا أن الأعمال بخواتيمها كما أشار إليه رسول الله آخر الحديث، وهذا يرجح هذا التأويل فى قوله: " حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا ذراع " وذكر فى النار مثيله على من تأوَّل أن معناه: الحيف فى الوصيَّة (٤).

وذكر الذراع هنا والشبر تمثيل للقرب وسرعة اللحاق، واستعارة لذلك.


(١) فسؤال الرجل هنا ليس سؤال استثبات، وإنما هو سؤال تعجب، إذ المعلوم الصدق لا يستثبت. إكمال الإكمال ١/ ٢٢١.
(٢) والتكبير قبلها تكبير تعجب بالنسبة إلى المخاطبين عند ظهور المطابقة، لا سيما مع قوله: " فكاد بعض المسلمين يرتاب ".
ودخول أن فى خبر كاد جائز على قلة، وهى لمقاربة الفعل.
وقال الواحدى: نفيها إيجاب، وإيجابها نفى، فقولهم كاد يقوم: معناه: قارب القيام ولم يقم، وما كاد يقوم: قام بعد بطء.
وأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلالاً أن ينادى فى الناس، إعلام بأن الإسلام دون تصديق وإن نفع فى الدنيا لن ينفع فى الآخرة إلا مع التصديق والإخلاص، وقد دل كذلك على أن الرجل كان مرائيًا منافقًا، لا سيما مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالرجل الفاجر ". راجع: الأبى ١/ ٢٢١.
(٣) فى ت: من مجموع.
(٤) وذلك فيما أخرجه أحمد فى المسند عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف فى وصيته فيختم له بشر عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل فى وصيته، فيختم له بخير عمله، فيدخل الجنة " ٢/ ٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>