للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِليْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ، وَمَا يَفْعَلهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ

ــ

أوحى إليه!

وهذا الذى قالوه باطل، وذلك أن الدليل قد قام على صدقه فيما يبلغه عن الله - سبحانه - وعلى عصمته فيه، والمعجزة شاهدة بصدقه، وتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. وما يتعلق ببعض أمور الدنيا التى لم يبعث بسببها، ولا كان رسولاً مفضلاً من أجلها، وهو فى كثير منه عرضة لما يعترض البشر - فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له.

وقد قال بعض الناس: إنما المراد بالحديث: أنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ، وقد يتخيل فى المنام للإنسان مثل هذا المعنى، ولا حقيقة له. فلا يبعد أن يكون صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخيله فى اليقظة وإن لم يكن حقيقة.

وقال بعض أصحابنا: يمكن أن يكون تخيل إليه الشىء أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله أنه صحيح، فتكون اعتقاداته كلها على السداد، فلا يبقى لاعتراض (١) الملحدة طريق (٢).

قال القاضى: ظهر لى فى تأويل هذا الحديث ما هو أجلى وأبعد من مطاعن الملحدين، مع استفادته من نفس الحديث وخروجه عن حد الاحتمال والاستنباط (٣) إلى النص والبيان، وذلك أن هذا الحديث روى عن ابن المسيب وعروة، وفيه عنهما: " سحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يهود بنى زريق] (٤) فجعلوه فى بئر حتى كاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ينكر [بصره] (٥)، ثم دله الله عليه واستخرجه من البئر " (٦).

وروى نحوه الواقدى عن عبد الرحمن بن كعب وعمر [بن الحكم] (٧) وذكر عن عطاء الخراسانى عن يحيى بن يَعْمر حبس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عائشة سنة، وذكره عبد الرزاق (٨)، وزاد: " حتى أنكر بصره " (٩)، وروى محمد بن سعد عن ابن عباس: مرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحبس عن النساء والطعام والشراب، فهبط عليه ملكان وذكر القصة (١٠).


(١) فى ز: لاعتقاد، والمثبت من ع، ح.
(٢) نقل القاضى - رحمه الله - هذا الكلام - أيضاً - بتمامه فى كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى " (٢/ ١٨١). ثم قال: هذا ما وقفت عليه لأئمتنا فى هذا الحديث.
(٣) فى ز: الأسباط، وهو تحريف.
(٤) فى الأصل: يهودى نضيق، وهو تحريف.
(٥) فى الأصل: نصره، وهو خطأ.
(٦) أخرج هذا الحديث عبد الرزاق فى مصنفه، ك الطب، ب النشر وما جاء فيه ١١/ ١٤.
(٧) فى الأصل: عبد الحكم، وهو خطأ.
(٨) المصنف، ك الطب، ب النشر وما جاء فيه ١١/ ١٤ رقم (١٩٧٦٥).
(٩) عبد الرزاق نفسه ١١/ ١٣ رقم (١٩٧٦٣).
(١٠) ابن سعد فى الطبقات ٢/ ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>