للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِى رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأسِى وَالآخَرُ

ــ

فإن قيل: إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يدى الساحر فبماذا (١) يتميز من النبى الصادق؟ قيل: العادة تنخرق على يدى النبى، وعلى يدى الولى (٢)، وعلى يدى الساحر، إلا أن النبى يتحدى (٣) بها ويستعجز سائر الخلق، ويحكى عن الله - سبحانه - خرق العادة لتصديقه. فلو كان كاذباً لم يخرق العادة على يديه، ولو خرقها لأظهرها على يد غيره من المعارضين له مثل ما أظهر على يده، والولى والساحر لا يتحديان (٤) ولا يستعجزان الخليقة ليستدلوا على صدقهما وعلى نبوتهما، ولو حاولا شيئاً من ذلك لم تنخرق لهما العادة، أو تنخرق، ولكنها تنخرق لمن يعارضهم.

وأما الولى والساحر فإنهما يفترقان من طريق أخرى، وهى أن الساحر يكون ذلك عَلماً على فسقه وكفره، والولى لا يكون ذلك علماً على ذلك فيه، فافترق حال الثلاثة بعضهم من بعض.

والساحر - أيضاً - يكون ذلك منه على أشياء يفعلها وقوى يمزجها ومعاناة (٥) وعلاج، والولى لا يفتقر إلى ذلك. وكثيراً مَا يقع له ذلك بالاتفاق من غير أن يستدعيه أو يشعر به. هذا القدر كاف (٦) فيما يتعلق بعلم الأصول من المسألة، وأما ما يتعلق بعلم الفقه: فالساحر عندنا إذا سحر بنفسه قتل، فإن تاب لم تقبل توبته، خلافاً للشافعى. وهذه المسألة مبنية على الخلاف فى قبول توبة الزنديق؛ لأنه مسرٌ لما يوجب قتله كالساحر، وإنما قلنا: إنه يقتل على الجملة؛ لأن من عمل السحر وعلمه فقد كفر، والكافر يقتل، قال الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُر} (٧)، فإذا ثبت كونه كفراً وجب (٨) القتل به.

قال بعض أصحابنا: وقد قال تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ} (٩) أى باعوها، وبيعه نفسه يتضمن قتله، وقال الشافعى: إن عمل السحر وقتل به سُئل، فإن (١٠) قال: تعمدت القتل به، قتل. وإن قال: لم أتعمد القتل به، كانت فيه الدية (١١). وإذا ثبت أنه كافر استغنى عن هذا التفصيل الذى قاله الشافعى (١٢).


(١) فى ز: فيما.
(٢) فى ز: الموالى.
(٣) فى ز: يتحرى.
(٤) فى ز: يتحريان.
(٥) فى ز: معاياه، وهو سهو من الناسخ.
(٦) فى ز: كافة، وهو سهو من الناسخ.
(٧) البقرة: ١٠٢.
(٨) فى ز، ع: أوجب، والمثبت من ح، نسخة ل، ع.
(٩) البقرة: ١٠٢.
(١٠) فى ز: كان.
(١١) حكاه المزنى فى: حكم الساحر إذا قتل بسحره. انظر: مختصر المزنى ٨/ ٢٥٥.
(١٢) انظر: المجموع ١٩/ ٢٤٥، المغنى بشرح الكبير ١٠/ ١١٥، التاج والإكليل ٦/ ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>