للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِىَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ. فَدَعُوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُم أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاخْتَلفُوا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتُ لأَمْرٍ وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلى هَذَا الوَبَاءِ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِىَ الأَنْصَارِ فَدَعُوْتُهُمْ لَهُ، فَاستَشَارَهُمْ، فَسَلكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلفُوا كَاخْتِلافِهِمْ. فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى. ثُمَّ

ــ

فيه خروج الأئمة بأنفسهم ليطلع أعمالهم مشاهدة، وفيه تلقى الأمراء الإمام الأعظم وإعلامهم إياه ما حدث ببلادهم، واستشارة الإمام أهل العلم والرأى، وتقديمه فى ذلك أولى السابقة والدين والفضل.

والمهاجرون الأولون هم من صلى القبلتين، وأما من لم يسلم إلا بعد تحويل القبلة فلا يعد فى الأولين. ومهاجرة الفتح قيل: الظاهر أنهم هم الذين هاجروا قبل الفتح، خصهم لفضل الهجرة؛ إذ لا هجرة بعد الفتح، وقيل: بل أراد مسلمة الفتح الذين هاجروا بعد، فحصل لهم الاسم دون الفضيلة، وهو عندى أظهر لأنهم الذين ينطلق عليهم مشيخة قريش وظاهر هذا [أن عمر - رضى الله عنه - قد رجع لرأيهم ورأى من وافقهم، ولا يبعد هذا] (١)؟ إذ لم يكن هذا الأمر إلا من باب النظر للمسلمين والحيطة عليهم، وأيضًا فإنهم لم ينفردوا بهذا الرأى حتى يكون هو يؤثر لرأيهم على رأى المهاجرين الأولين والأنصار، بل قد وافقهم عليه كثير من الأنصار والمهاجرين كما تقدم من اختلافهم، فحصل ترجيح الرأى بالكثرة، لا سيما لأولى السن والحنكة والتجربة والعقول الراجحة.

وحجة الطائفتين فى اختلافهم بينة كلها مبنية على أصلين من أصول الشريعة؛ الأول: التوكل والتسليم للقضاء والقدر، والثانى: الحيطة والحذر وترك إلقاء اليد للتهلكة، وكلاهما فرعان متشعبان من أصل قاعدة القدر.

وقيل: بل رجوع عمر إنما كان لحديث عبد الرحمن بن عوف، كما قال عبد الله بن عمر: إنما رجع بالناس عن حديث عبد الرحمن بن عوف، ورجح هذا بعض العلماء لإخبار عبد الله عن أبيه به وهو العالم بحقائق أبنائه، ولأن عمر لم يكن ليرجع لرأى دون رأى بغير حجة، حتى وجد علمًا، وتأول قوله: " إنى مصبح على ظهر " قبل هذا، أى على سفر لوجهه الذى كان توجه له، لا أنه راجع، وهذا بعيد. وتأول الأولون أن عبد الله بن عمر لعله لم يبلغه قول عمر هذا قبل إخبار ابن عوف له بما أخبر. ومعنى " مصبح على ظهر ": أى على سفر وعلى ظهور الركائب.


(١) سقط من ز، والمثبت من ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>