للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ " وَمَا كَانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَىَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أجَلَّ فِى عَيْنِى مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أطِيقُ أَنْ أمْلأ عَيْنَىَّ مِنْهُ إجْلالاً لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أصِفَهُ مَا أطَقْتُ، لأنِّى لَمْ أَكُنْ أمْلأ عَيْنَىَّ مِنْه، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أشْيَاء مَا أدْرِى مَا حَالِى فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ، فَلا تَصْحَبْنِى نَائحَةٌ وَلا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنتُمُونِى

ــ

وقوله: " إذا متُ فلا تصحبنى نائحة ولا نار " امتثال لنهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فى حديث أبى هريرة: " ولا تُتَّبَعُ الجنازة بصوت ولا نار " (١)، وقد تقدم منع الشرع من النياحة وذمها، وكره أهل العلم اتباع الميت بالنار. وأوصت أسماء بنت أبى بكر ألا تُتَّبَعُ به جنازتها.

قال ابن حبيب: تفاؤلاً من خوف النار والمصير إليها، وأن يكون آخر ما يصحبه من الدنيا النار. وقال غيره: يحتمل أن هذا كان من فعل الجاهلية فشُرعت مخالفتهم، ويحتمل أنه كان فُعِل على وجه الظهور والتعالى فمُنِع لذلك.

وقوله: " فإذا دفنتمونى فشُنُّوا علىَّ الترابَ " بالسين والشين معًا، وهو الصبُّ، وقيل: بالمهملة الصبُ فى سهولة، وبالمعجمة التفريق. وهذه سنة فى صبّ التراب على الميت فى القبر (٢)، وكره مالك فى العتبية الترصيص (٣) على القبر بالحجارة والطين والطوب.


(١) جزء حديث أخرجه أبو داود فى السنن، وأحمد فى المسند، وابن أبى شيبة فى المصنف. أبو داود، ك الجنائز، ب فى النار يتبع بها الميت ٢/ ١٨١، وأحمد ٢/ ٤٢٧، ٥٣٢، وابن أبى شيبة ٣/ ٢٧٢ جميعًا عن أبى هريرة، غير أنه فى المصنف من كلام أبى هريرة وفى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الإسلام يجبُّ ما قبله " الجَبُّ هنا بمعنى الهدم، استعارة لعدم المؤاخذة. والأمور التى يهدمها الإسلام قبله هى حقوق الله تعالى وحقوق البشر، فلا يقتص ممن أسلم، ولا يضمن ما استهلك لمسلم، واختلف فيما أسلم وهو بيده من ذلك، فقال مالك: يبقى له، لهذا الحديث؛ ولأن لهم شبهة الملك، لقوله تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ} [التوبة: ٥٥] وقال الشافعى: يردُ إلى ربه، لأنه كالغاصب، ويلزمه أن يضمن ما استهلك.
واتفقوا على نزع ما أسلم عليه من أسرى المسلمين؛ لأن الحر لا يملك. هذا فى الحربى، وأما الذمى فلا يسقط إسلامُه ما وجب عليه من دمٍ، أو مالٍ، أو غيرهما؛ لأن حكم الإسلام جارٍ عليه.
(٢) لم يرد فى هذا غير وصية عمرو هذه، وغايتها أنه مذهب صحابى.
(٣) الترصيص: هو إحكام البناء وطلاؤه، وفى العتبية أيضًا كما نقل الأبى: ولا أكره بناء اللحد باللبن. إكمال ١/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>