للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ العَيْنِ قَلِيلاً قَلِيلاً، حَتَّى اجْتمعَ فِى شَىْءٍ. قَالَ: وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ العَيْن بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ - أَوْ قَالَ: غَزيْرٍ، شَكَّ أَبُو عَلِىٍّ أَيُّهُمَا. قَالَ: حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: " يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا ".

ــ

قال القاضى: وقوله: " حتى استقى الناس ": كذا للكافة، وفى كتاب التميمى: " حتى أشفى الناس " بالشين المعجمة، وهو وهم، والمعروف الأول، وتقدم هذا وما فيه من الآيات الباهرة والعلامات الخارقة من الإعلام بما يكون من شأن العين أولاً، وأمرهم ألا يمسوا شيئاً من مائها ومن قوله: " ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً " فكأن ذلك كله، ومن تكثير الماء القليل والخبر بهذا مشهور صحيح.

وهذه العلامات المقطوع بها بكثرة الأخبار بها واشتهارها وتواترها من جهة المعنى، ولأن الراوى لها والذاكر لها بمجمع الصحابة المخبر عن قصة جرت لهم فى مجمع من جموعهم، ومشهد عظيم من مشاهدهم، وجيش كثير من جيوشهم، لا يمكن سكوتهم على مدعى الكذب فيها، ولا كانوا ممن يداهن فى ذلك، ولا هو مما يخفى عليهم؛ إذ هم الذين توضؤوا وشربوا، وشاهدوا الأمر المخبر به عنهم، فكان الحديث عنهم. وكذلك أحاديثه فى تكثير الطعام من هذا الباب، وعلى هذا الأسلوب.

وقد بسطنا الكلام فى هذا ونجيناه، وذكرنا أعيان الأحاديث، ومن روى كل واحد منهما من الصحابة، ومن رواه عنهم من التابعين بمبلغ علمنا ومنتهى إدراكنا، وما اتصل الكلام بذلك فيه فى كتاب: " الشفاء " بما يغنى عن إعادته هنا.

وقوله: " فسبَّهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول ": فيه تأديب الحاكم باللسان، والسب غير المقزع نفسه. ذكر مسلم هنا حديث أم مالك، وأنها كانت تهدى للنبى فى عكة لها [بين أقياتها] (١) بنوها فسيكون (٢) للإدام وليس عندهم شىء، فتعمد إليها، فتجد فيها سمناً، فما زالت تقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها (٣).

وقول النبى لها: " عصرتيها، لو تركتيها ما زالت قائمة " مما تقدم، وذكر الحديث فى الذى أطعمه النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شطر وسق شعير، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله. فقال: " لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم ": أى ولبث ودام، ويروى: " بكم " أى لكفاكم وأغناكم. فيه رد الظرف المهدى فيه إلى صاحبه، وفى المثل المعروف: رد الظروف.


(١) فى ح: سمنا فيأتيها.
(٢) فى ح: فسألوها.
(٣) فى ح: عصرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>