للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمْ بَادِىَ الرَّأىِ فَقَتَلَهُ، فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - ذَعْرَةً مُنْكَرَةً. قَالَ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَّاكية بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} (١). فَقَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْدَ هَذَا الْمَكَانِ -: " رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْلا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ. قَالَ: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا} (٢) وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ ". قَالَ: وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَدأَ بِنَفْسِهِ: " رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِى " كَذَا: رَحْمَةُ الله عَلَيْنَا. " فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتيا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِى الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا {فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِداَرًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} (٣) وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ. قَالَ:

ــ

وقوله: {غُلامًا فَقَتَلَهُ}: دليل على أنه كان غير بالغ. قال أهل اللغة: [الغلام: اسم للمولود من حين يولد إلى أن يبلغ، فينقطع عنه] (٤) اسم الغلام، وهذا يرد على من ذكر أن الغلام صاحب الخضر كان بالغاً واحتج بقوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ}؛ إذ لا يقتص إلا من بالغ. ولا حجة له فى ذلك؛ إذ لا يعلم كيف كان شرعهم فى ذلك، ولعله كان عموماً فى كل نفس، بل الظاهر أن قوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} تنبيه على إنكار قتله لمن لا يجب قتله عنده إلا للقصاص وحده. واحتج - أيضاً - قائل ذلك بقوله: " وكان كافراً " فى قراءة من قرأ كذلك، وِلا حجة فيه؛ إذ لم يثبت فى المصحف، ولأنه سماه بمآل أمره. وفى قوله: {بِغَيْرِ نفْسٍ} دليل على القصاص، وأنه كان فى شرع من قبلنا مشروعًا. وقوله فى الرواية الأخرى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا} غلماناً يلعبون، فانطلق إلى أحدهم بادى الرأى فقتله. كذا عند شيوخنا، قال الله تعالى: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي} (٥)، قرئ بالهمز والتسهيل، فمن همز فمعناه: ابتداء الرأى وأوله، ومعناه فى هذا الحديث: أنه انطلق إليه مسارعاً لقتله دون روية، ومن لم يهمز فمعناه فى الآية: ظاهر الرأى، وهنا أيضاً ظهر له رأى فى قتله من البداء، وهو ظهور رأى بعد آخر، ويُمَدُّ البداء ويقصر، يقال: بدا لى أن أفعل كذا: أى ظهر.

وقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زاكية} وقرئ: {زَكِيَّةً}: أى طاهرة لم تذنب ولم يبلغ الخطايا. وهذا يصحح كونه غير بالغ.


(١) الكهف: ٧٤.
(٢) الكهف: ٧٦.
(٣) الكهف: ٧٧، ٧٨.
(٤) فى هامش ح.
(٥) هود: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>