للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ.

قَالَ: وَكَانَ رَاعِى ضَأْنٍ يَأْوِى إِلَى دَيْرِهِ. قَالَ: فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الرَّاعِى، فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا. فَقِيلَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدَّيْرِ. قَالَ: فَجَاؤُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَنَادَوْهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلِّى، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِىِّ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِى رَاعِى الضَّأْنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِى مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ. ثُمَّ عَلَاهُ.

٨ - (...) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: يَارَبِّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: يَارَبِّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ: أَىْ رَبِّ، أُمِّى وَصَلَاتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ. فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ، لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا

ــ

قال القاضى: ليس فى الحديث أنه كان فى فريضة من صلاته، أو لعل شرعهم كان لا يحل فيه قطع النافلة لشىء من الأشياء، ودليله قوله: " أمى وصلاتى "، وظاهره عندى تقابل الفرضين عنده من إيثار الصلاة. وقد كان يقدر على تخفيف ذلك وإجابتها لو لم يكن كلامها، لكنه لعله خشى أن يدعوه إلى النزول عن صومعته وكونه معها. أو خشى أن مفاتحتها بالكلام تسبب الأنس لغير من انقطع له، ويحل عزمه ويضعف عقده فيما التزمه. ولعل شرعه كان حينئذ يوافق ذلك أو يخالفه.

ولا شك عندنا أن بر أمه فرض [والعزلة] (١) وصلوات النوافل طول نهاره وليله ليست بفرض، والفرض مقدم. ولعله غلط فى إيثار صلاته وعزلته على إجابة أمه، فكذلك


(١) فى هامش ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>